معرض لذوي الاحتياجات الخاصة في مكتبة الأسد الوطنية

هم لا يدركون أن حرباً شعواء تدور حولهم، عقولهم البسيطة وقلوبهم الجميلة لا تستوعب أهوال الحرب الدامية، وأن في الخارج، هناك أخ يقتل أخاه، وأم تثكل أبناءها، وزوجة تنتظر عودة زوجها بفارغ الأمل، وأطفال يبكون أباهم بعد انتهاء كل إجازة، ويرجونه ألا يذهب إلى الحرب.
ربما لا يعرف الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة ما يحدث حقاً، لكنهم في صميم أرواحهم الطاهرة، يعشقون الوطن، ويقدسون الإنسان، ويحبون الطبيعة، ويناشدون السلام، فرسموا البحر والأشجار والأطفال والألعاب والورود والعائلة والبوالين والبوظة، حتى «أبو شهاب» «عكيد» باب الحارة كان حاضراً في رسوماتهم البريئة، لكنهم لم ينسوا أيضاً تزيين رسوماتهم بعلم الوطن.
ما يقارب الـ60 طفلاً من مختلف الأعمار، ارتأت مراكز العناية الخاصة بهم التعاونَ مع مديرية الفنون الجميلة-وزارة الثقافة للعام الثالث على التوالي، لتكرار التجارب السابقة التي جرت في قلعة دمشق لعامين متتاليين 2015 و2016، فأقاموا ورشة عمل لرسوم الأطفال، عُلقت نتائجها مؤخراً في معرض خاص بها في صالة معارض مكتبة الأسد في دمشق، لتكون محاولة جديدة لدمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم فهل نجحت التجربة؟.
بعض الأهالي أثنوا على التجربة وتمنوا تكرارها كل عام لما أدخلت إلى قلوب أبنائهم من فرح وفخر عارمين، بينما أكد بعضهم أن الدمج تجربة لم ولن تنجح، لكن أحداً لا يريد الاعتراف بذلك!.
مدرسة عصافير الجنة لذوي الاحتياجات الخاصة التابعة لجمعية صندوق الرجاء التنمويّة، أرادت مشاركة أطفالها ذوي الإعاقة الذين لديهم قابلية للتعلم في ورشة تفاعليّة، حسب المدرّسة حسناء الأسطواني مشرفة قسم التأهيل المهني في المدرسة: «الأطفال كانوا يرسمون بعشوائية واضحة في الخطوط والتلوين وحتى الموضوع، اليوم أصبحوا قادرين على تأطير الصورة في خطوط منتظمة وتوحيد الفكرة»
وعن الطرق المثلى في التعامل معهم أكدت الأسطواني أنهم «لا يختلفون عن بقية الأطفال إلا فيما يتعلق بصعوبة وبطء التعلّم، وهنا يكمن الفرق بينهم وبين بقية الأطفال، وهو اكتساب المهارة ببطء سواء أكانت مهارة إدراكية أم حركية، إلى جانب أسلوبهم الخاص في تلقي القيم والمفاهيم والمهارات حسب مناهج تعليمية خاصة بالمدرسة».
السيدة أسطواني طالبت بمزيد من الفعاليات للدمج بين الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال الأسوياء، مشيرة إلى أن مدارسهم تقوم بمثل هذه الفعاليات مع مدارس للأسوياء الداعمين لهذا المشروع بشكل دوري.
والد الطفلة راما قنايا (متلازمة داون) أكد التحسن الكبير الذي طرأ على ابنته بعد تسجيلها في مركز خاص، مشيراً إلى المهارات الجديدة التي اكتسبتها في مجال الرياضيات والغناء والتمثيل والرسم، ومبدياً فخره الشديد بقدرات ابنته الجديدة على تحقيق التناسب في الألوان وتحديد الشخصيات، راما رسمت إخوتها في لوحتين منفصلتين، ملونةً الرسم بألوان جذابة وجميلة تعكس حبها لهم وفخرها بهم.
قنايا خاطب أهالي الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يخبئون أطفالهم عن أعين الناس خجلاً بهم قائلاً «هذا ظلم في حق الطفل، فهؤلاء الأطفال لديهم من القدرات ما لا يمكننا تصديقه، فهم يشتغلون مثلاً أعمالاً فنية يدوية رائعة الجمال، ويقيمون لها المعارض ويبيعونها لمصلحة الجمعية» مؤكداً أن الآباء يجب أن يتقبلوا إعاقة أطفالهم ويظهرونهم للعلن، ويولونهم اهتماماً مضاعفاً، وينمون مهاراتهم، ويصنعون منهم أعضاء فاعلين في المجتمع بدل أن يقتلوهم مرتين.
منهاج خاص
ملاذ عواد خاضت مع ابنها بشار الخياط (وهو مصاب بالتوحد) في مدرسة منهل المجد تجربة دمج الأطفال الأسوياء وذوي الاحتياجات الخاصة، وأكدت أن هؤلاء الأطفال بحاجة إلى عناية خاصة، ومنهاج تدريسي خاص بهم، وهو أمر غير موجود في سورية، حيث يدرس مريض التوحد منهاج الطفل السوي نفسه من دون تفريق في المستوى الذهني والفكري والقدرة على تعلم المهارات بين الطفلين، مطالبةً بوضع منهاج خاص أخف عبئاً على هؤلاء الأطفال، فمنهاج الابتدائي والإعدادي مضغوط بالنسبة للأطفال الأسوياء، فكيف بذوي الاحتياجات الخاصة! ما يجعل الطفل المصاب غير قادر على استيعاب المواد التدريسية فيصاب بحالة من الاكتئاب لعدم قدرته على مجاراة زملائه في المدرسة.
تجربة غير ناجحة
أفراح العلي من وزارة الشؤون الاجتماعية (الأولمبياد الخاص) طرحت إقامة مركز خاص يضم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يُخدّم المركز بباص مبيت خاص بهم، يقلهم إلى المركز ويعيدهم إلى بيوتهم، لأن عدم توافر هذه الباصات يجبر الأهالي على ترك أولادهم في المنزل، ما يزيد من غضبهم وحنقهم، لأنهم يرغبون بمشاركة هذا العالم تغيراته، مشيرةً إلى أن ابنتها سارة (نقص أكسجة) هي بطلة سورية في سباق الدراجات، ومكرمة من قبل السيدة الأولى، متمنيةً أن يقام مركز خاص يجمع كل الأطفال الذين يعانون من الحالة نفسها، وعدم دمجهم بالأطفال الأسوياء، لأن هذه التجربة خاطئة وغير ناجحة، فمراكز الدمج تلتفت للاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، ما يتسبب بالتقصير بحق الأطفال الأسوياء، كما أن هذا الدمج لم يحصل حقيقةً على أرض الواقع، فلا هؤلاء الأطفال تجاوبوا مع الأسوياء، ولا الأسوياء استوعبوا تميز هؤلاء الأطفال، ما سبّب تأخر هؤلاء الأطفال بدل تقدمهم.
ولعل وقوف الأطفال الأسوياء في زاوية المعرض يثبت فكرة العلي، فقد كان من الواضح تنحيهم التام عن الأطفال ذوي الاحتياجات وعدم انسجامهم معهم.
تخالفنا الرأي مي حداد، وهي من القائمين على المعرض في مديرية الفنون الجميلة، حيث ساهمت مع توءمها شهد وأميرة في المعرض، مشيرةً إلى أن مشاركة الأطفال الأسوياء يعود بنتائج إيجابية على الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وراحوا أثناء الورشة يعلمونهم ويتعلمون منهم، مشيدةً بهذه البادرة ومطالبةً بتكرارها على نطاق أوسع في الأعوام القادمة.
ربى دوماني تحدثت بدورها عن مشاركة ابنتها بيان أبو حسنة (شلل نصفي) في المعرض مشيدة بتنشيط هذه الفعاليات للمهارات الذهنية واليدوية للأطفال، ومطالبةً بإقامتها بصورة دورية، كما طالبت بمنح هؤلاء الأطفال مساعدات تصب في إطار العلاجات الفيزيائية (تطوير مهارات المشي) وهي مكلفة جداً إذا ما وقعت على كاهل الأهالي وحدهم.
معاون وزير الثقافة علي المبيض أشار إلى ضرورة تسليط الضوء على هذه الشريحة من الأطفال، والاهتمام بمشكلاتهم وتنمية قدراتهم الذهنية والحركية، مؤكداً أن وزارة الثقافة ترعى إقامة معارض فنية لهذه الشريحة الخاصة، وتسعى لإقامة معارض مماثلة في بقية المحافظات.
وعن اقتراح بناء منهاج خاص لتدريس ذوي الاحتياجات الخاصة مغاير لمنهاج الدولة العام، أشاد المبيض بالفكرة، مشيراً إلى ضرورة مشاركة المختصين والباحثين في وزارة التربية وأطباء نفسيين ومعالجين مختصين في وضع هذا المنهاج، لتنمية الإمكانات الذهنية لهؤلاء الأطفال ودمجهم في المجتمع.

The post معرض لذوي الاحتياجات الخاصة في مكتبة الأسد الوطنية appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the معرض لذوي الاحتياجات الخاصة في مكتبة الأسد الوطنية on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.