مع غياب المشروع الذي يبحث في عوامل التراجع الذي اعترى فكر النهضة وما يلابسه في الراهن المعاصر من حالات الوهن والتشاؤم يستمر النقاش حول خطر الفوضى وما آلت إليه فتن التخوين والتكفير في واقع ظلامي دامس ليس في معطياته ما يبعث على الأمل برد الاعتبار لدور التنظير الجاد ومواجهة ظاهرة القصور السائد في اجتراح الحلول الممكنة لركام أزماتنا وهي تنتظر منا جميعا شيئاً من الاستجابة والتفكير في تحديات الواقع العربي ومشكلاته المعقدة وما أعنيه من – التنظير الجاد – وترتيب أولوياته هو أن نبدأ من عنوان التنمية وقيمها الوطنية بوصفها مشروع حياة ومستقبلاً لا يمكنه أن ينبض فوق أرضنا المهتزة إلا أن نكون معاً شركاء بتحسين شروط حياتنا من أسوأ حال إلى أحسن حال.
والسؤال: ما هو السبيل لإنجاز وظيفة الحوار في التنمية وقيمها؟.. يجب الاعتراف أن مشاريع التغيير والإصلاح تنأمت وترعرعت في القرن الماضي تحت سلطتين: إحداهما: سلطة الحاكم بوصفه العقل الذي يرسم سياسات الضبط الاجتماعي لمصلحة أمة كانت قاصرة عن التفكير بمصالحها وثانيهما : سلطة القيم والمبادئ التي تعتقد بها الأغلبية الدينية أو السياسية باعتبارها أهدافاً مرجعية ومعيارية لمنظومة التغيير وطبيعته المنشودة .
وبين هذه وتلك تمت التضحية بوظيفة الحوار وتهميش دور النخب الثقافية والعلمية وإقصاؤها عن إدارة التنمية التي جرى تطبيقها أساساً في بيئة خاملة وجاهلة كانت تميل إلى اختزال هموم حاضرها والمستقبل .. وإحالة الأمر فيهما إلى فضيلة الطاعة لهذه السلطة أو تلك وهو ما أدى إلى تجاهل حقائق الاختلاف والتعدد في الاجتماع الوطني وتعطيل مكوناته كمصدر فاعل في إنتاج الحكم والإدارة .
وفي هذا المدى لم نلتفت إلى تأثير هذا الواقع وعلاقته بما كان يطرح من شعارات التعصب والإلغاء ونفي الآخر السياسي أو الديني فيما شهدناه من كثير من تيارات الإصلاح الإسلامي والعلماني التي انطلقت بتأسيس خطابها على قطيعة حادة مع الآخر بلافتات التخوين والتكفير.. وبذلك تم اغتيال الحرية دينياً وسياسياً بفتاوى مشاريع الإصلاح نفسها وقد ذهبت بعيداً بفصل وظيفة الحوار عن قيم الشورى الدينية لتربطها بطاعة السلطان حتى وإن كان جائراً وعن قيم الديمقراطية العلمانية لتربطها بطاعة الحاكم حتى وإن كان معادياً لاستحقاقات الحرية والتنمية .
وبدا المشهد العربي صارخاً بسؤال: إذا كانت قضية المشاركة وقبول الآخر المختلف سمة التنمية وجوهرها المهموم بأسئلة البحث عن مستقبلنا المشترك فإن الخطاب الإسلامي الذي لم يتفاعل مع حقوق الإنسان في الكرامة وحرية المعتقد يتحمل اليوم مسؤولية فشل الحوار والإصلاح التنموي في مجتمعاتنا العربية .. وأراني من خلال هذا الواقع المؤلم أدعو إلى ضرورة البحث عن إطار مرجعي جديد للتنمية يعتمد هذه المرة على المعرفة العقلانية التي ينتجها الحوار المتكامل سياسياً وثقافياً ودينياً انطلاقاً من المراجعة النقدية للأصول المعرفية لتراثنا الروحي وتجاربه من دون أي مغالاة في تقديسه أو الانزلاق للقطيعة معه.
إذاً.. لا بد من رؤية موضوعية تضع يدها على روح القيم التي لا تعوق التنمية وهواجسها المتجددة ولاسيما في مجالات الأمن الاجتماعي وتطوير الوعي بهدف المعنى الأخلاقي من حياتنا الثقافية والدينية المهددة بخطر التدين الأعمى ومشاريعه السياسية المتوحشة التي لا تهدف إلى تدمير البعد الاجتماعي والإنساني من الدين فحسب بل إلى تدمير كل الآفاق الموصولة بالتنمية البشرية ذاتها وحرمان أجيالنا القادمة في أن تكون علاقة حاضرنا بالمستقبل علاقة آمنة ومستقرة بأزاهير التعاون الذي يحمي حياتنا المشتركة على عين الله ورضاه..
The post آفاق.. التنمية وقيمهـا الوطنية appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.