تشرين
إن المال ملكك لكن الموارد للجميع وأنتم بددتم بعضاً من موارد الجميع….. فيما يخص أهل الريف البعيد يستجدون إيصال الخبز إلى قراهم تستفزك مشاهد أرغفة الخبز المرمية على أطراف الأرصفة، وشكوى عمال التنظيفات من وجود ربطات خبز صالحة للاستهلاك ضمن حاويات القمامة، ورغم أننا جميعنا ندرك أننا في حالة أزمة، لا تزال الدولة توفر رغيف الخبز للمواطن وبسعر مدعوم، وهذا إنجاز كبير للحكومة بالنظر إلى حجم الأموال الهائلة التي تغطي لقمة عيش المواطن وفي حقيقتها تبلغ مليارات الليرات كثير منها بالقطع الأجنبي.
إن توقف معامل الخميرة المحلية، وتهديد مخزون محصول القمح في كثير من الحالات نتيجة وقوع الصوامع في مناطق غير آمنة، وتعرض المحصول لعمليات نهب أثناء النقل من مناطق التخزين الآمنة إلى مناطق الإستهلاك، وانخفاض الكميات المسلمة من القمح للجهة الحكومية المعنية، بفعل الضغوط الناجمة عن الأزمة الراهنة والتي ساهمت بتهريب كميات كبيرة من الإنتاج المحلي خارج البلاد. كل هذه العوامل دفعت الجهات الحكومية إلى استيراد مادة القمح من بعض الدول الصديقة وكذلك مادة الخميرة، حيث جاءت مستوردات سورية من القمح من دول أهمها أوكرانيا و رومانيا وبلغاريا وغيرها.
وبفعل تبدل نوعية طحين القمح، ونوعية الخميرة وارتفاع نسبة النخالة في الطحين، نتيجة رفع نسبه الاستخلاص به إلى درجة عالية، وبالرغم من احتواء الطحين هذا على الأملاح المعدنية والفيتامينات وزيت جنين القمح الذي يرفع قيمته الغذائية كثيراً، إلا أنه غير مستحب للمستهلك لأنه يعطى رغيفاً أسمر اللون، وترتفع به نسبة المواد السلولوزية ( نخاله ). والدقيق ذو نسبة الاستخلاص العالية سريع التزنخ لوجود الجنين الذي يحتوي على الدهن.
ولكن في الآونة الأخيرة تحسن وضع إنتاج الخبز في مدينة دمشق وريفها بشكل عام ولاسيما أن المخابز الاحتياطية تؤمن أكثر من 60% من حاجة المواطنين منه، وبجودة مرتفعة وقد تم خفض نسبة الاستخلاص في الدقيق ليتم إنتاج خبز منخفض في محتواه من مادة نخالة القمح وأبيض اللون.
وما تتحمله خزينة الدولة من خسائر كبيرة نتيجة الدعم السخي الذي تقدمه الدولة لدعم سعر مبيع رغيف الخبز للمواطن / الربطة الواحدة تكلف أكثر من 250 ل.س وتباع بـ 50 ليرة للمواطن / رغم عدم عدالة هذا الدعم الذي يطول كافة المواطنين المستحق منهم وغير المستحق للدعم.
اليوم نعود لنفتح ملف هدر الخبز مرة ثانية والوقوف على أسبابه ومبرراته وآليات معالجته.
إحصاءات صادمة
يورد المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير في الشأن الزراعي والحيواني بعض الأرقام الإحصائية الاقتصادية المتعلقة بهدر الموارد المحلية في مجال الخبز:
• تقدر كميات الخبز المهدورة سنوياً بحوالي 4 مليارات رغيف خبز ( وذلك وفق تصريحات لجنة المخابز الاحتياطية .
•يحتاج إنتاج 4 مليارات رغيف خبز إلى :
1- كمية / 575000 / طن من الطحين، تكافئ ما يقارب / 799250 / طناً من حبوب القمح، يحتاج إنتاجها استثمار مساحة من الأراضي الزراعية تقدر بـ / 199812 / هكتاراً.
2- كمية من مياه الري تقدر بـ / 1.598 / مليار متر مكعب، وهي تقارب حاجة سكان سورية من مياه الاستعمال المنزلي.
3- / 2.398 / مليون ليتر من المبيدات المختلفة.
4- / 359663 / طناً من أنواع الأسمدة الكيميائية.
5- / 199813 / طناً من البذار.
* كما يحتاج تحويل /575000 / طن من الطحين إلى الخبز الذي يــؤول علفــاً للحيوان إلى:
1- حوالي / 61.525 / مليون ليتر من المازوت، تستخدم في تشغيل الأفران مباشرة.
2- / 460 / مليون ليتر من مياه الشرب.
3- / 17.25 / مليون كيلو واط من الطاقة الكهربائية.
4- /5750 / طن من الخميرة.
5- كمية / 8620 / طناً من ملح الطعام.
6- وساعات العمل، واستهلاك آلات وخطوط إنتاج المطاحن والمخابز، وجهود العمال.
أسباب هدر الخبز
وفقاً للخبير قرنفلة فإن أسباب متعددة تكمن وراء هدر مادة الخبز تتمثل في:
• بداية لابد من التأكيد أن متوسط ما يخصص لاستهلاك الفرد السوري من الخبز سنويا 120 كغ، يعتبر مرتفعاً بالمقارنة مع ما يستهلكه الفرد في كثير من بلدان العالم حيث بلغ متوسط استهلاك الفرد من الخبز سنوياً حوالي 109 كغ في مصر مقارنة مع 100 كغ في بلغاريا و 90 كغ في رومانيا و 74 كغ في هنغاريا و65 كغ في روسيا و63 كغ في تشيلي و62 كغ في ألمانيا و 59 كغ في هولندا.
• سعر الخبز في سورية منخفض جداً مقارنة بسعره في الدول المجاورة وفي دول العالم بفعل الدعم الحكومي السخي لهذه المادة الغذائية الأساسية واليومية التي تعتبر أسعارها خطاً أحمر بالنسبة للحكومة.
• لا يوجد تقنين في بيع الخبز للمواطنين في سورية ويمكن للمواطن شراء الكمية التي يرغبها بينما في كثير من الدول، ومنها مصر، تم تحديد عدد من الأرغفة لكل مواطن شهريا تغطي احتياجه الفعلي يشتريها بسعر مدعوم من الحكومة وفي حال رغبته شراء كميات إضافية فإنه يدفع قيمتها بالأسعار المحررة وغير المدعومة.
• هناك نقص حاد بالموارد العلفية للمجترات وهو أمر ليس بالحديث في بلدنا لكنه تفاقم بفعل الأزمة التي تتعرض لها البلاد ومنع العصابات الإرهابية الحيوانات من الاستفادة من المراعي الطبيعية التي كانت توفر حوالي 1.077 مليون طن مادة جافة علفية مجانية، إضافة إلى توقف معظم مصانع إنتاج كسبة القطن وقشوره التي كانت تستخدم علفاً حيوانياً وكذلك مصانع السكر التي كانت تنتج تفل الشوندر السكري العلفي، ووحدات غربلة الحبوب والتي تشكل مخلفاتها أيضاً مورداً علفياً، هذا الواقع خلق فجوة بين الموارد العلفية المحلية وبين احتياجات الثروة الحيوانية، ومع ارتفاع أسعار الأعلاف وارتفاع تكاليف نقلها وجد المربون ضالتهم في الخبز ليقوموا بتحويله بشكل ممنهج إلى علف حيواني رخيص القيمة النقدية.
مقتـرحات
يؤكد الخبير قرنفلة أن حزمة من الإجراءات تساهم في الحد من هدر إنتاج البلاد من الخبز منها:
• توفير الاحتياج الفعلي من حاجة الثروة الحيوانية من المواد العلفية عبر دعم سياسات استيراد المواد العلفية وإعفائها نهائياً من كافة أشكال الضرائب والرسوم التي يدفعها مربي الثروة الحيوانية وتفعيل دور المؤسسة العامة للأعلاف لتقوم بتأمين معظم حاجة البلاد من المواد العلفية.
• تحسين نوعية الرغيف عن طريق الاستفادة من خبرات المختصين الوطنيين في تكنولوجيا تصنيع الخبز لإيجاد الطرق الأمثل لصناعة الخبز.
• تبريد الخبز بما يكفي قبل تعبئته في الأكياس البلاستيكية وقبل بيعه للمواطنين نظراً لدور التبريد في الحفاظ على نوعية الخبز لفترة زمنية طويلة.
• توجيه الإخوة المواطنين عبر وسائل الإعلام إلى ضرورة شراء حاجتهم اليومية فقط من الخبز وعدم تخزينه، نظراً لتوفره في الأفران ومنافذ البيع على مدار الساعة، وكذلك ترشيد استخدام هذه المادة امتثالاً لتعليمات الأديان السماوية التي تحض على حفظ هذه النعمة.
• زيادة عدد منافذ بيع الخبز / الأكشاك / في الأسواق والمناطق التي لا تتوفر فيها أفران وإخضاعها للرقابة الشديدة وفرض عقوبات قاسية بحق كل من يتلاعب بالمادة وبيعها لغير الغاية المخصصة لها.
• الحد من ظاهرة الاتجار بالخبز التي يقوم بها بعض الأشخاص / وخاصة النساء والأطفال / بالاتفاق مع بعض ضعاف النفوس من العاملين في الأفران لبيعهم كميات كبيرة من الخبز ليقوموا بإعادة تعبئتها بعد حسم عدد من الأرغفة من كل ربطة خبز وبيعها للمواطنين بأسعار أعلى من السعر الرسمي.
•التأكيد على استخدام وسائل الدعم الذكي في بيع وتوزيع مادة الخبز، حيث يمكن توفير بطاقات إلكترونية تحدد الحاجة الفعلية لكل أسرة من مادة الخبز أسوة بتوزيع السكر والأرز، ويقوم المواطن بموجبها بشراء حاجته من الخبز بالسعر المدعوم وفق الاحتياج الفعلي والحقيقي وفي حال حاجته لكميات فائقة يمكنه شراءها بالأسعار غير المدعومة وهذا يساعد في تحسين شفافية توزيع الدعم ويوفر حماية للفئات الأكثر فقراً.
فهل نفعل ونحافظ على مواردنا المحلية المحدودة ولاسيما الماء والأرض الزراعية وعلى رصيد بلدنا من القطع الأجنبي وعلى جهود عمالنا ونوفر حاجة ثروتنا الحيوانية من الأعلاف للحد من منافسة الإنسان على رغيف الخبز سؤال برسم صانعي السياسات الاقتصادية في البلاد؟؟.
The post المال مالك… لكن الموارد ملك للجميع appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.