ترصد الناقدة المصرية ناهد صلاح في كتابها «الفتوة في السينما المصرية»(سلسلة الفن السابع- المؤسسة العامة للسينما- دمشق) شخصية الفتوة كما أظهرتها السينما المصرية..
ومنذ البداية تتساءل الكاتبة: لماذا الحديث عن فتوات قدمتهم السينما المصرية منذ أكثر من ثلاثين عاماً في مرحلة الثمانينيات تحديداً، نقلاً عن أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ وخاصة «الحرافيش»وغيرها من الأعمال الكلاسيكية التي حفلت بها السينما المصرية في تلك المرحلة؟
وتجيب في معرض حديثها متسائلة أيضاً:هل لنثبت لأنفسنا أن الأيام الخوالي بكل ما حملته من قسوة وقهر كانت أهون وأجمل وأخف من سوط العنف الذي يلهب حياتنا في الزمن الحالي سواء على الصعيد العالمي أو العربي أو المحلي؟ أم لنؤكد القاعدة التي تقول «التاريخ يعيد نفسه» بما يوافق نظرة أن التاريخ مجموعة من الأحداث تكرر نفسها في الحاضر.
ومن خلال هذه النظرة والأسئلة يقدم الكتاب، الذي جاء في 9 فصول، الإجابة عن سؤال: لماذا الفتوة الآن؟ ومن هو الفتوة؟ وكيف نهلت السينما من عالم الأدب وقدمت شخصية الفتوة؟.. وفيه تحاول ناهد صلاح أن تقدم نموذج الفتوة من دون أن تربكها الشعرة الدقيقة بين «الفتوة» و«البلطجي»، وتكشف عن الطريقة التي تعاملت بها السينما مع هذا النموذج الذي ترسخت صورته في الوجدان المصري في مرحلة تاريخية ما كمعادل شعبي للحاكم الرسمي.
وتخصص الناقدة المصرية في كتابها هذا فصلاً كاملاً للتفريق بين «الفتوة» و«البلطجي» مع ربط الأخير بالواقع العربي والمصري الحالي حيث باتت لفظة «البلطجية» متداولة بشكل واسع لكونها مرادفاً للخارجين عن القانون أو المنضوين تحت جناح جهات معينة والذين يلجؤون للعنف والسلب والنهب والقتل والترويع كنوع من عمل العصابات المنظمة والبعيدة عن فكرة «الفتونة» أو «الفتوة».
على هذا المنوال تتابع مسيرة العديد من الفتوات التي قدمتها السينما المصرية عبر سنوات طويلة، ابتداء من «فتوات الحسينية» لنيازي مصطفى 1954، و فيلم «سعد اليتيم» لأشرف فهمي 1985 «المطارد» لسمير سيف 1985، و«شهد الملكة» لحسام الدين مصطفى 1985، و«الجوع» ــ وهو الفيلم الأهم ــ لعلي بدرخان 1986، والعديد من الأفلام الأخرى التي تحاول عبرها، وهي ربما تكون قد أهملت هنا بعض الأسماء أو الأفلام لأنها تسعى لتقديم نماذج.
ويذكر هنا أن النسخة الأولى من الكتاب صدرت في مصر العام 2012 ضمن سلسلة كتاب اليوم، وفي النسخة الجديدة الصادرة في دمشق ضمن سلسلة الفن السابع، قامت المؤلفة ببعض التعديلات والإضافات التي سعت من خلالها إلى تعميق مفهوم «الفتوة» وتأصيله من خلال أعمال نجيب محفوظ، وآخرين إضافة إلى فيلموغرافيا تحتوى على هذه النوعية من الأفلام التي قدمتها السينما المصرية خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي كملمح سينمائي ميز تلك الحقبة.
وتصل الكاتبة ناهد صلاح في النهاية إلى أن عودة نموذج الفتوة الذي تلاشى منذ سنوات بعيدة يطرح نفسه مجدداً، وإن كان لا يملك ملامح الفتوة كما رأيناه على الشاشة الفضية أو قرأنا عنه في روايات نجيب محفوظ، وإنما هذا النموذج الجديد هو نموذج «البلطجي»، وهنا نستشهد بما قاله الروائي الراحل جمال الغيطاني في هذا السياق «هناك تفاوت كبير بين شخصية الفتوة في زمن نجيب محفوظ وشخصية البلطجي حالياً.
وقد يشترك البلطجي والفتوة في عدة أشياء حيث يشترك الاثنان في حمل السلاح، فالبلطجي يحمل البلطة ومنبعها الشر، والفتوة يحمل العصا وهي سلاح رمزي يحمل دلالات المهابة والقوة.
الفتوة في الماضي كان يعيش هو وصبيانه على الإتاوات التي يفرضها على سكان الحارة أو الحي وكان سلاحه النبوت والعصا وقوته الجسمية وهو لا يسرق ولا يخطف ولا ينهب.
أما حالياً فالبلطجي من المسجلين «خطر» أو الهاربين من السجون، سلاحهم السنجة والمسدس والسلاح الآلي يمارسون الخطف وقطع الطريق والقتل والسرقة والنهب».
في هذا الكتاب، وفقاً لمقدمة الكاتبة «نحاول أن نقدم نموذج الفتوة، من دون أن تربكنا الشعرة الدقيقة بين الفتوة والبلطجي، ونكشف عن الطريقة التي تعاملت بها السينما مع هذا النموذج الذي ترسخت صورته في الوجدان المصري في مرحلة تاريخية ما كمعادل شعبي للحاكم الرسمي، وكحاجة ملحة لضبط ميزان الأمن والأمان في مجتمع افتقد السلطة العادلة».
كما تعرّف الفتوة بأنه «حاكم شعبي سواء اختاره هذا الشعب أو فرض نفسه بالقوة على الناس، في الأحوال العادية، ولكي يستمر الفتوة في موقع سلطته فإنه يتحتم عليه ألا يستند إلى القوة فقط، وإنما يضيف إلى سلوكه وأعماله ما يجعل الناس يحبونه، كأن ينصر الفقراء ويقيم العدل ويلعب دور الحكيم ويرتب الحياة في الحارة التي يحكمها حيث يظل الجميع قانعين به مدينين لحمايته، فهو على سبيل المثال يأخذ الأتاوة من القادرين ليعطي المحتاجين».
وتختتم الكتاب بشهادات عن شخصية الفتوة وأبعادها في السينما المصرية، من نور الشريف وعلي بدرخان، ووحيد حامد، و يسري الجندي.
The post الفتوة في السينما المصرية appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.