إرادة الحيـاة قاومت كل مشاعر الخوف عندهم

كما لا يغادر جنود الجيش مواقعهم في ساحات المعارك، كذلك حال العاملين في الكثير من الوظائف.
في منظومة الإسعاف، الإطفاء والصحة وعمال الكهرباء والشرطة…وغيرهم مئات من العمال الذين استشهدوا وهم في طريقهم إلى أماكن عملهم، أو أثناء تأديتهم مهامهم، وقد وثق الطب الشرعي الكثير من الحالات التي تعرضت لعمليات قتل وحشية.
تفاصيل كثيرة يرويها رئيس ورشة صيانة في وزارة الكهرباء حسين المضحي، أثناء خروجهم تحت النيران لوصل تيار كهربائي أو معالجة عطل، بدءاً من خط القابون -برزة مروراً بجندر.. وعن أكثرها صعوبة ذكر المضحي مارآه وتعرضوا له في منطقة خان الشيح ودير علي والديماس من مشاهد مروعة على الطريق، إذ كانوا يشاهدون رؤوساً مقطوعة أو أشلاء شبان بثيابهم العسكرية عقب تفجير، ما زالت كل ضحاياه على الأرض، لأن وجود قناصين يحول دون إخلائهم. يضيف حسين المضحي أن الصور التي يحتفظون بها لا يمكن أن تمحوها سنوات عمرهم طالت أم قصرت.
قصص العمل في مواقع خطرة ضمن الوظائف المدنية تتكرر في كثير من المهن، يقول أبو حمزة أحد الموظفين في مستشفى حرستا إنهم مع كل مطلع شمس يتوقعون أن يكونوا هدفاً وهم في طريقهم إلى العمل في مشفى البيروني ضمن منطقة «مقنوصة» كحرستا، وفي كثير من المرات سقط زملاء لهم وهم في أماكن عملهم بعدما استهدفهم القناص.. الحال ذاتها تتكرر مع إسعاف الطوارئ الذين يقتحمون ساحات الموت لإنقاذ الجرحى، أو عمال الإطفاء لإخماد حريق.
عاشوا ورووا
يتحدث المضحي عن المرات الكثيرة التي تصادف وجودهم في ساحة تفجير هنا أو قصف وقنص هناك، ويذكر أنه في إحدى المرات، انفجرت سيارة مفخخة في منطقة عدرا، تسببت باستشهاد زملاء له، وأمام عينيه شاهد كيف تطايرت جثث بعضهم أشلاء، مشهد يتابعه اليوم ويعتقد أنه قد يكون هو غداً أو بعد لحظة، فقط جنود الجيش العربي السوري عاشوا تفاصيل تشبه ما يعيشه عمال الكهرباء كما قال آخر.
يتحدث المضحي عن مشاعر الرعب التي تعرض لها في إحدى المرات وشعوره بأنه اقترب من نهايته ، وذلك أثناء تعرضه وزميله لانفجار في منطقة يبرود، حيث أصيب زميله بحروق شديدة وتدمرت الرافعة التي قدر ثمنها بنحو 30 مليون ليرة.
تستفيض ذاكرة المضحي بالقصص التي مرت معهم ويتحدث عن قصة أخرى حصلت معهم في إحدى المرات وبعد التفاوض بين مختار منطقة القابون وعناصر من الجيش من جهة والمسلحين من جهة ثانية للسماح لهم بالدخول إلى منطقة القابون، ولكن فجأة نشب خلاف بين أفراد العصابة، وكان عليهم أن يختفوا قبل أن يقتلوا بينهم، وعندما حاولوا الهرب قفز البعض منهم إلى أماكن تبين أنها مياه مجارير، والبعض الآخر اختبأ في منازل الأهالي .
ويضيف العامل في ورشة الصيانة المضحي أن أصعب المواقف التي شهدها عندما دخلوا منطقة تحت سيطرة المسلحين وبالتنسيق مع الجيش، وأثناء دخولهم منطقة وادي بردى لوصل تيار الكهرباء وإعادة المياه لدمشق استقبلهم الأهالي بالتصفيق ورش الأرز تعبيراً عن فرحهم بهم، لكن فيما بعد تم حجز عناصر الورشة من قبل المجموعات المسلحة مدة 12 ساعة كانت بالنسبة لهم شاقة وطويلة جداً فحينها لم يتفق المسلحون على رأي واحد، فبعضهم كان يريد ذبحنا بذريعة موالاتنا للدولة والبعض الآخر يريد الاحتفاظ بنا للمبادلة بأسرى لهم، فضلاً عن الشتائم والإهانات والضرب طوال الوقت».
رئيس ورشة الصيانة فواز الكزبري يؤكد أنه لم يتردد يوماً في تنفيذ أي مهمة توكل إليه حتى لو كانت بالنسبة له الأخيرة، عاداً ذلك واجباً عليه كالجندي الذي يحمل سلاحه في مهمة الدفاع عن الوطن. يقول: مرات كثيرة تعرضنا فيها لإطلاق النار، وفي أحيان أخرى كنا نعمل على ضوء «القداحات» لأن المهمة ليلية ويجب إعادة التيار الكهربائي.
لوزارة الكهرباء لائحة كبيرة مزينة بأسماء شهدائها الذين يبلغ عددهم نحو 350 شهيداً، رحلوا خلال قيامهم بمهمات في إصلاح الأعطال، وهناك أيضاً أكثر من 50 عاملاً مخطوفاً أيضاً.
حصة كبيرة للكادر الطبي
لموظفي وزارة الصحة نصيبهم أيضاً من هذه الحرب أثناء تأديتهم مهماتهم، يؤكد معاون وزير الصحة الدكتور أحمد عبد الرحمن خليفاوي أن عدد ضحايا القطاع الصحي خلال الحرب وصل إلى 418 شهيداً ونحو 232 مصاباً، و 36 مفقوداً, مضيفاً أن عدد المشافي التي تم استهدافها بلغ 75 مشفى من أصل 98 مستشفى تابعة لوزارة الصحة، في مختلف مناطق القطر ومحافظاته.
رئيس دائرة الطب الشرعي في حمص نائب رئيس الرابطة الشرعية للطب الشرعي د. بسام المحمد يصف حالات جثث تعرضت لأفظع أنواع التعذيب في مقرات عمل أصحابها التي هاجمتها تلك الوحوش، يتحدث د. المحمد عن المجازر التي ارتكبت بحق العاملين في مشفى حمص الوطني، وبكثير من الأسف يتذكر الممرضة سناء عبد الرحمن التي خردق المسلحون جسدها بعدد كبير من الطلقات، بطريقة توحي برغبة شريرة في الانتقام منها، لما عرفت به من شخصية قوية وإصرار على متابعة عملها مهما كانت الظروف، وقد رفضت مغادرة المشفى حتى سيطر عليه المسلحون وفخخوه بمن فيه من كوادر إدارية وفنية.
بالاسم والصفة
يضيف د. المحمد أنه عاين، بحكم اختصاصه، الكثير من الضحايا الذين تم قتلهم بطريقة وحشية من موظفي الدولة ومنهم من قطاع الشرطة والجيش،وفي أغلب الحالات كانت آثار التعذيب قبل الموت واضحة، وذكر الطبيب الشرعي عدة حالات وثقها الطب الشرعي في حمص خلال عامي 2011- 2012:
كحالة الشرطي سامر الشيخ الذي قتلته تلك الوحوش عن طريق تهشيم رأسه، وكذلك الشرطي يامن علي خلال عمله بعد تكبيل يديه.
أما الموظف راشد العموري فقد تم اعتراضه وهو في طريق عودته من العمل في مصفاة حمص، وعند العثور عليه بعد خطفه تبين أنه تعرض لأشنع أنواع التعذيب، إذ تم ذبحه بعد تعرضه لضرب مبرح وبقر لعينيه، ذنب هذا الرجل أنه استمر في الذهاب إلى عمله، وهو أمين فرقة حزبية في حمص.
ومن الضحايا العاملين في الدولة أيضاً سائق سيارة الإسعاف في المستشفى الوطني علي يوسف الحسين بينما كان في طريقه لإسعاف مصاب في منطقة القرابيص في حمص.
يضيف د. المحمد أنه لحظ في معايناته تعدد حالات استهداف الشخصيات العلمية والأدمغة وذلك بهدف تفريغ المجتمع من قواه البشرية، ودفع المتعلمين والمبدعين للهجرة والهرب من البلد، كما حصل مع الأستاذ الجامعي محمد عقيل ونائب عميد كلية العمارة في جامعة البعث حيث استهدفت سيارته بأعيرة نارية وبعد خطفه تم التنكيل بجسده، كذلك الحال مع المحامي والمحاضر في كلية الحقوق في جامعة البعث محمد أبو الخيمة الذي استهدف أثناء مروره في شارع عام في حمص.
كذلك استهداف صاحب الاختصاص النادر في جراحة الصدر د. حسن عيد أمام منزله في حي جب الجندول أثناء ذهابه للعمل في المستشفى الوطني في حمص، واستهداف مدير محطة الغاز المهندس ماهر عزيم أثناء عودته من عمله،
إضافة إلى قتل الممرضتين سناء عبد الرحمن وريم منصور من المشفى الوطني في حمص اللتين عثر على جثمانيهما مرميان بالقرب من المشفى..
تفنن الإرهابيون بأنواع التعذيب والتنكيل بالجثث بعد القتل, وتم توثيق العديد من تلك الإصابات والطرق من قبل الطبابة الشرعية في حمص: جثة مجهولة الهوية تم توثيق طريقة قتلها بسلخ الوجه بعد القتل بهدف بث الرعب, والقتل بالتغريق حيث تم الكشف على جثة الشرطي أحمد عباس وتم ربطه إلى حجر ثقيل ووضعه في كيس ورميه في النهر, إضافة إلى قتل وتعذيب المعوق حسن عكاري وقد تم تقييده وضربه وتعذيبه وكانت هناك دلائل على أن سبب الموت هو الصدمة. يضيف د. المحمد أنه كشف على جثة شخص مقطوع الرأس تعود لعلي قواص وذلك بعد اختطافه. وذكر أنه تم توثيق عدد كبير من حالات الذبح من الوجه الأمامي للرقبة وحالات من الوجه الخلفي للرقبة وهدف ذلك هو تأخير الموت حتى يتعذب الشخص لأن الأوعية في الوجه الخلفي للعنق أضيق قطراً. إضافة إلى حالات كثيرة جداً للقتل بالطلق الناري والطعن بالسكاكين وهرس الجثة وحرق الجثث أحياء أو أمواتاً وفي كثير من الحالات كانت توجد علامات التعذيب قبل القتل مثل حلق الشعر بالسكين قبل الذبح، وإذا كانت كل هذه الحالات من مدينة حمص فهذا لا يعني أن الموظفين في بقية المحافظات لم ينالوا نصيبهم من الاستهداف، ولكن كانت نسبة الجرائم هي الأعلى في حمص خاصة في بداية الأحداث.
ضمن الأهداف
يؤكد د. المحمد أن مكتب الطب الشرعي من بين الجهات التي تم استهدافها كي تتوقف عن عملها، لكنهم استمروا من دون انقطاع منذ بداية الأزمة حتى الآن فبعد تدمير مقرهم في المشفى الوطني، انتقلوا إلى المسشفى العسكري في حمص عندها بدأ الإرهابيون بالهجوم عليهم وتهديدهم، إما لأخذ بعض الجثث التي كانت تحضر إليهم أو لإيقافهم عن العمل، لكنهم تغلبوا على كل تلك الضغوطات كما يضيف، وأصبحوا يتنقلون إلى أماكن تستوجب العمل من دون أن يكون فيها مركز محدد، واستطاع مركز الطب الشرعي أن يرصد الأعمال الإرهابية في المدينة ويحلل تلك المعطيات وذلك من خلال الكشف على الجثث التي ترد إلى المركز وتحليل بياناتها وقد وثق مركز الطب الشرعي في حمص الكثير من الجرائم.
حمص وحلب
ما إن تذكر القطاع الصحي في حمص, حتى يقفز إلى ذاكرتك صورة ما حدث في المشفى الوطني من إجرام وتعذيب وتفاصيل موت موجعة , مشهد لا يقاربه إلا ما حدث في مشفى الكندي في حلب.
لم يكن الثمن قليلاً قي القطاع الصحي في حمص، وحسب مدير صحة حمص الدكتور حسان الجندي فقد استشهد في حمص وحدها نحو 100 شهيد بين طبيب وممرض، وثلاثة منهم قضوا ذبحاً في المشفى الوطني، ومع كل هذا استمر القطاع الصحي في العمل.
يضيف د. الجندي أن الناس لم يعرفوا قيمة وأهمية المستشفى الوطني في حمص إلا بعد الحرب وخروجه من الخدمة، فقد كان المستشفى يتضمن 600 سرير و12 غرفة عمليات وأجهزة غسيل كلية وكل ذلك مجاناً .. لقد افتقدته حمص في وقت يعجز فيه الكثير من الناس عن دفع قيمة صورة شعاعية أو حتى تحليل . إن تقديم الخدمات الطبية في ظل تدمير 70% من المشافي في القطاعين العام والخاص يعني بذل جهود جبارة ضمن إمكانات متواضعة.. يقول د. الجندي: تم تحويل بعض العيادات الشاملة إلى مشافٍ في المناطق التي توجد فيها مراكز صحية على الأقل كي يتمكن فيها المريض من إجراء عمل جراحي بسيط مثل (الزائدة الدودية)، وبالتوازي مع ذلك يتم حالياً تطوير مشفى الباسل إلى ثلاثة طوابق، كما يؤكد د. الجندي، ويضيف أنهم اضطروا لاتخاذ الكثير من الإجراءات الجديدة التي فرضتها ظروف العمل كطريقة تجميع ساعات الدوام، كي يجنبوا العاملين المرور بشكل يومي في المناطق غير الآمنة، وكذلك تخفيفاً لأجور المواصلات، وهكذا أصبحت ساعات الدوام تصل لنحو 36 ساعة متواصلة في المستشفى.
وفيما يتعلق بالتجهيزات أمام هذا الواقع من الدمار الذي قدر بنحو سبعة مليارات ليرة سورية أضراراً مادية في المستشفى, بالتزامن مع الحصار الاقتصادي, أصبح تأمين التجهيزات الطبية من الأولويات, لذلك اضطروا إلى سحب التجهيزات من المشافي الخارجة من الخدمة وسحبها، تحت الخطر إلى المراكز الموجودة في المناطق الآمنة, أما منظومة الإسعاف السريع فلم يبق منها أي سيارة إسعاف وتم تأمين البديل من الوزارة، كما يختم مدير صحة حمص.
في قلب النار
عندما يغادر كل الناس مكان التفجير أو الحريق على رجال الإطفاء أن يصلوا إليه مهما كانت ظروفهم، يقول معاون قائد فوج إطفاء دمشق العقيد علي حسن: إن رجال الإطفاء يمثلون الرقم الأول في المهام , فهم يرافقون الجيش على الخطوط الأولى وعندما يبتعد الجميع عن ساحات التفجير «نكون نحن أول من يصل قادمين من خارج الحدث, ومهماتنا لا تقتصر على إطفاء الحرائق, بل نقوم بإنقاذ المصابين».
ينفذ عناصر الإطفاء المهمات ويذهبون إليها رغم علمهم أنهم قد لا يعودون.. وعن عدد المهمات التي ينفذها عناصر الإطفاء في دمشق في اليوم أكد العقيد حسن أنها تختلف من مركز لآخر، إذ قد تصل إلى 60 مهمة إخماد حريق في اليوم، وقد سبق أن قام بها عناصر الإطفاء في أحد المراكز, وقد يضطر الإطفائيون للتمركز في مقر الحريق أكثر من خمسة أيام ريثما يتم إخماده, ويؤكد أن عملهم لا ينحصر ضمن بقعة جغرافية فقد يصلون إلى حدود لبنان وأحياناً إلى داخلها أو إلى محافظات مثل حمص أو اللاذقية ,وفي أحيان كثيرة يدخلون مناطق ساخنة كما حصل في القابون, داريا, جوبر.
وعن أكثر المهمات التي قاموا بها وظلت في ذاكرته -كما ذكر العقيد- إسعاف أطفال الحضانة في مبنى رئاسة مجلس الوزراء عند تعرضه لتفجير إرهابي ولكن تمكنوا من إنقاذ جميع الأطفال في الحضانة من دون أن يصاب أحد بأذى.
وأكد حسن أن عدد شهداء رجال الإطفاء في فرع دمشق بلغ 14 شهيداً، وأكثر من 100 مصاب خلال سنوات الحرب، وأن عدد عناصر الإطفاء تراجع من 709 عناصر إلى 456 إطفائياً على رأس عملهم، في حين كان عدد الشهداء خلال العام الماضي أكثر من60 شهيداً، وهناك نحو 300 مصاب، وعدد من المخطوفين.
بلا فضل
أمام كل الخدمات النبيلة التي يقدمها عمال الصحة والإطفاء والإسعاف الكهرباء و…. تكتشف أن الحكومة مازالت تقتر على هؤلاء «المحاربين» بمطالب من وزن طبيعة العمل أو وجبة غذائية، علماً أن عامل الكهرباء لا يستطيع أن يحسّن دخله بعمل إضافي بعد انتهاء دوامه كما يفعل أغلبية العاملين في الدولة، وخاصة أن الكثير من عمال الكهرباء مهجرون من مناطق إقامتهم.
يقول الكزبري من وزارة الكهرباء: إن راتب موظف بصفة مساعد مهندس لا يتجاوز 35 ألف ليرة، وإن هناك إضافة يحصلون عليها كل ثلاثة أشهر لا تتجاوز 1800 ليرة! وإن كل ما نطلبه من الجهات المعنية مساواتنا بعمال النظافة من حيث طبيعة العمل، فطبيعة عملهم لا تتجاوز 4% .
وذكر العامل حسين المضحي أنه تم رفع أكثر من كتاب لوزير الكهرباء للرأفة بحال عمال الكهرباء وإعادة النظر بموضوع طبيعة العمل، لكن لم يتم الرد حتى الآن.
لا تختلف الحال مع عمال الإطفاء فأمام كل مهماتهم الصعبة التي يقومون بها يشتكون كما عمال إسعاف الطوارىء من عدم تقدير الحكومة طبيعة عملهم وأخطارها، إذ إنهم يقومون بمهمات تشبه مهمات الجيش ولكنهم لا يعاملون معاملة أفراد الجيش, فمنذ سنوات يناضلون لرفع نسبة طبيعة العمل من 9 – 35 % و تعديل مبلغ 300 ليرة التي كانت تمنح لهم في مرحلة الثمانينيات، ففي ذاك الوقت كانت تعادل ثلث الراتب, أما الآن فلا تعادل شيئاً، وكذلك الحصول على وجبة غذائية، يمكن لها أن تسند بطونهم الجائعة خلال أوقات العمل الطويلة.
أخلاقياً ونفسياً
هل يستوي من يعملون ضمن هذه الظروف مع من يمارسون أعمالهم المكتبية، ما التقييم الأخلاقي والاجتماعي لأصحاب هذه الوظائف؟
الاختصاصي النفسي والتربوي لدى وزارة الشؤون الاجتماعية حسام سليمان الشحاذه يرى أن العمل كله في مجال الانتصار على مشاعر الخوف في شوارع العاصمة دمشق وغيرها، فأصوات التفجيرات، وقذائف الهاون، والرصاص.. وما رافقها من رائحة الدم الممزوج بالبارود.. كسر الشعور بالأمن والسكينة الذي عُرف عن سورية لعدة عقود ماضية، ورغم ذلك فإرادة الحياة قاومت كل مشاعر الخوف، من خلال الإصرار على ممارسة الحياة بشكلها الطبيعي رغم الظروف الاستثنائية، مثلاً تمكن عمال الطاقة الكهربائية من إعادة التيار الكهربائي إلى الكثير من المناطق غير الآمنة، وقبلوا الدخول بآلياتهم ومعداتهم، وإصلاح الأعطال، وكذلك العاملون في أفران الخبز في المناطق غير الآمنة، وتلك الأخبار التي عاشها المواطن السوري عن عمال نبع بردى، وما قدموه من تضحيات لإعادة المياه إلى دمشق، وما يبذله مراسلو الإعلام الحربي، الذين تجاوزوا جميع المخاوف في سبيل نقل الحقيقة، وإيصالها للمشاهد وللرأي العام المحلي والعالمي، ولا ننسى الأعمال التطوعية التي قدمها الشباب لإيصال العلاج الطبي والمساعدات الغذائية إلى المناطق غير الآمنة من وطننا الحبيب، وكذلك تضحيات رجال الجيش العربي السوري وقوى الأمن الداخلي، فأصحاب هذه المهن ترفع لهم القبعة، ومهما تحدثنا عن تضحياتهم مازلنا مقصرين في حقهم أخلاقياً وإنسانياً.
الإصرار
وعن الآثار النفسية والانفعالية التي يمكن أن تنتاب أصحاب المهن الذين يمارسون أعمالهم في ظروف قاسية واستثنائية كهذه؟، قال الشحاذه: قد ينتاب بعض، مع التركيز على البعض، من أصحاب تلك المهن عدة أنواع من مشاعر الخوف، أو الهلع، أو الصدمات النفسية..إلخ، لكن ما لمسه الشارع السوري من معظم أصحاب تلك المهن هو شدة العزيمة والبأس والإصرار على تحقيق الهدف المهني عند ممارسة تلك الأعمال، فقد تمكن الكثير منهم من تجاوز كل تلك المشاعر السلبية، وتحقيق الهدف المهني، وأكبر دليل على ذلك هو قوافل الشهداء التي قدمت في سبيل إعادة الأمن والأمان إلى المحافظات المحررة، وإعادة تفعيل كل خدمات البنية التحتية (ماء، كهرباء، صحة، تعليم، مواصلات، أمن وشرطة..إلخ)..
يضيف الشحاذة: إذا كان هذا واجبهم وأدوه فإن من حق من يقومون بمهام شبه عسكرية بميزات مدنية بسيطة على الجهات الحكومية أن يلقوا المردود المادي أو المالي الموازي لتلك الجهود، لكن الواقع أن البعض لم يحظ بتلك القيمة المعنوية التي تليق بما قدمه من تضحيات.
ويؤكد على نقطتين اثنتين: الأولى هي أن ما يقدمه العامل في أي موقع من مواقع العمل هو في سبيل الوطن، ويجب ألا يستجدي من ورائه أي ثناء أو مديح أو مكافأة مادية.. فكل الجهود المبذولة هي لبناء سورية وصون ترابها.
أما النقطة الثانية فتتعلق بسياسات الحكومة السورية وأصحاب القرار فيها، الذين من واجبهم لحظ تلك التضحيات، وتقديم ما يوازيها من عطاءات مادية ومالية ومعنوية، تليق بالأشخاص الذين قدموا تلك التضحيات، وإدراج خطط وبرامج أكثر عمقاً وشمولية من تلك التي طبقت على أرض الواقع كرفع سقف التعويضات المالية بعد التسريح الصحي.

The post إرادة الحيـاة قاومت كل مشاعر الخوف عندهم appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the إرادة الحيـاة قاومت كل مشاعر الخوف عندهم on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.