مظفر النواب: الشام أقرب المدن إلى قلبي

استطاع المرض في السنوات الأخيرة, أن يحيل النواب إلى جسد شاحب ونحيل, وأن يجلسه على كرسي متحرك الآن, في بيت شقيقته في الإمارات. تعرفت إلى مظفر النواب في العام (2000)- ولربما قبل ذلك – في مقهى الهافانا الدمشقي, أهديته حينها مجموعتي القصصية الثانية (صديق الأرصفة) الصادرة عن دار الينابيع، وتتالت لقاءاتي معه في المقهى, وفي أمكنة أخرى, وفي (الليتيرنا – مطعم القنديل) أيام الزمن الجميل.
في تلك الفترة توطدت صداقتي معه أكثر, حين كان المخرج العراقي الصديق: (باسم قهار) يخرج له مسرحية ( العربانة ) وهي المسرحية اليتيمة للنواب, إذ كنت أحضر بعض (بروفات المسرحية) وكان يأتي, لحضور البروفات, قُدمت المسرحية على مسرح الحمراء في دمشق ولاقت نجاحاً كبيراً.
في تلك الفترة الزمنية كنت أعد ملفاً عن حقائب الكتف عند المثقفين في سورية, لصالح جريدة السفير اللبنانية – وتم نشر الملف في العدد 8031 كنت قد سألت صديقنا مظفر النواب – حين ذاك كانت حقيبته, أصغر حقيبة كتف عند المثقفين, عن محتويات تلك الحقيبة الصغيرة جداً, فقال لي وعبر ابتسامة هادئة: – «أحمد أنت الوحيد الذي ستكتشف محتويات حقيبتي», في الحقيبة: رواية صغيرة الحجم, دفتر هواتف صغير الحجم أيضاً, دفتر أكتب فيه قصيدة – إن جاءت – كذلك أدوّن فيه بعض الملاحظات, والمشاريع الشعرية, وبعض المواعيد, وربما رسالة, أحياناً بل في أكثرها, أضع علبة تبغ وولاعة, لا, لأدخن بل من أجل أصدقائي, الذين حين تنفد سجائرهم أكون المنقذ لهم في لحظة شوقهم إلى السيجارة.
بعد نشر الحوار تتالت اللقاءات, بيني وبين الشاعر مظفر النواب (أبو عادل, كما يحلو لأشقائنا العراقيين, أن يلقبوه) مظفر المولود في بغداد (1934) لعائلة غنية بل ثرية جداً, عائلة متميزة إبداعياً، حاصل على ليسانس آداب, ومطرود من سلك التدريس لأسباب سياسية, ومحكوم عليه بالإعدام, وخفف حكم إعدامه إلى سجن مؤبد, وبسكاكين المطبخ في السجن, قام هو والسجناء بحفر نفق, تمكنوا من خلاله من الهروب من السجن.
بدأ مظفر نسج شباك عباءته مع الإبداع من خلال الفن التشكيلي.
عن ذلك يقول: كانت تخطيطات بدائية أولية, حينما كنا صغاراً نقص قصاصات الورق نبعثرها هنا وهناك في أرجاء البيت, وكثيراً ما تُعرّضنا إلى غضب الكبار, توجد في البيت لوحات كثيرة وتماثيل, كانت تؤثر فينا ونحن صغار, فيأتي اللون حينما أرسم مختلطاً بروائح تلك الفترة, مختلطاً بماء الورد, أحس ماء الورد في اللون علاقة بلون رأيته وأنا أعيد صياغته. في مرسم ثانوية الكرخ, جاء أستاذ إلى المرسم اعتنى بنا وعلمنا بعض تقنيات الرسم, كيف نكبر الصور, بعد ذلك تركت الرسم.
وعن البديات المبكرة للشعر يقول: في زمن الابتدائية كانت لي خربشات وكان المعلمون يصححون كتاباتنا البدائية الشعرية, كانت المدارس وعملية التعليم لها شكل آخر حيث كانت للمعلم إمكانية التفرغ لطالب أو طالبين, كنت خجولاً جداً انطوائياً إضافة إلى أن أهلي كانوا يمنعوننا من الخروج. في زمن الكلية وارتباطي بالحزب الشيوعي خرجت إلى الحياة الاجتماعية, بسبب الأعياد والأهازيج و«السبايات» أخذت أذني إيقاعاً شعرياً كونت أذناً موسيقية, ففي البيت هناك أكثر من واحد يعزف على آلة موسيقية, الخال يعزف كمنجة, الوالد عوداً, والوالدة تعزف بيانو, الخ..
الوالدة تعزف بيانو وكان والدي يطلب مني أن اقرأ الأناشيد المدرسية وهو يرافقني على العود, لذلك أكتب الآن بلا عروض (أدوزن)، الميزان الشعري لا يحتمل الغلط عندي، أحس بالغلط حين يحدث, أعود أحاكمه عروضياً, أكتب منذ الصغر والكتابة لها علاقة بأجواء الطفولة, أكتب الشعر في الصحيفة الجدارية المدرسية, إلى أن دخلت الكلية فكنا نقيم أماسي في نادي الكلية في قبو تحت الأرض.
أول أمسية ألقيت فيها قصيدة كتبتها عن فرَّاش الكلية اسمه (مروكي)، شخصية غريبة جداً, حضر هذه الأمسية بدر شاكر السياب وكان فرحاً جداً بالقصيدة, جلس معي وتحدث. قال هذه القصيدة تبشر بكتابات جديدة, لم أكن أعرفه, عرفت بعد ذلك أنه بدر السياب، واصلت الكتابة إلا أن أغلبها فُقد نتيجة أوضاع العراق.
أكتب بالفصحى والعامية, أول قصيدة بالعامية نشرتها (كانت الريل وحمد), غناها فيما بعد الفنان ياس خضر هو أكثر من غنى لي من أغاني, إضافة إلى الفنان سعدون جابر… الشام هي أكثر المدن العربية القريبة إلى قلبي جداً. هذا غيض من فيض من بحور الشاعر مظفر النواب, الذي يمكن أن يقال عن شاعرنا الكبير.

The post مظفر النواب: الشام أقرب المدن إلى قلبي appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the مظفر النواب: الشام أقرب المدن إلى قلبي on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.