حينما يحصد فيلم سوري جائزة في أحد المهرجانات الدولية، فإن قلادة ذهبية جديدة تطوق عنق سورية الوطن، وإنجازاً جديداً يضاف إلى سجل إبداعات أبنائها على امتداد بقاع الأرض، ولكن حين يقدم مخرج الفيلم جائزته العالمية لجيش بلاده، فهو إذاً قطع آلاف الكيلومترات الإعلامية ليشاركنا كأس النصر فوق الأرض السوريّة.
علي أكرم محمد مخرج أمريكي من أصل سوري، وخريج جامعة مونتكلير «Montclair Stste Univercity» قسم إخراج تلفزيوني وسينمائي، وخريج من معهد هوليوود «Hollywood Film Institute» أنجز فيلمين قصيرين خلال دراسته الأكاديمية في الولايات المتحدة، هما: ماذا في الحقيبة؟ «?What’s in the bag » وكذبة بيضاء «White Lie» كما أخرج مسرحيتين لمصلحة الجامعة، لكنه حين تخرج وقرر بدء حياته السينمائية، اختار أن يعود إلى بلده الأم سورية، ويزرع أول أشجاره المثمرة في أرض وطنه. «الفكرة موجودة مع بداية الحرب على سورية» يقول محمد: «لقد وضعت نصب عيني أن أصنع فيلماً لوطني الأم سورية، وقمت بكتابة نص هذا الفيلم الذي استغرق العمل به عاماً كاملاً، وكان يتحدث عن صحفي أمريكي جاء إلى سورية لتغطية الأحداث فيها، حاملاً في رأسه فكرة مشوهة بناها الإعلام الغربي عمّا يحدث هنا، لكنه يلمس واقعاً مختلفاً فيرى عزيمة الانتصار على الموت وإرادة الحياة تشع في ملامح السوريين، ويقع في حب سيدة سورية من ضباط الجيش العربي السوري، وهي رمز للمرأة السورية التي توازي الرجل مكانة هنا، هذه قصة فيلمي الذي جئت إلى سورية بهدف إخراجه، ولكنني حين وصلت، قادتني المصادفة إلى لقاء الكاتب سامر محمد اسماعيل، وقررت تأجيل إخراج نصي، وتبني نص «حمرا طويلة» لاسماعيل بالكامل.
يروي محمد لنا بشيء من القهر، معاناته بعد وصوله إلى سورية من بعض البيروقراطية هنا وهناك، من دون أن يخفي صدمته بالطريقة التي عُومِلَ بها، والعراقيل التي وضعت في طريقه، والأبواب التي أغلقت في وجهه «بدايةً لم يساعدني أحد، واعتذروا عن تمويل الفيلم، ما حدا بي إلى إنتاج الفيلم على نفقتي الخاصة»
حين تبنى محمد نصّ سامر اسماعيل سارع في العمل عليه، «خلال أيام بدأت عمليات التصوير، التي استمرت ثلاثة أيام فقط، يضاف إليها يوما مونتاج».
صعوبات عديدة صادفت مسيرة «حمرا طويلة»، حسب محمد، منها ظروف التصوير غير الآمنة، بسبب القذائف التي كان يطلقها الإرهابيون على منطقة «عين الكرش» حيث جرت عمليات التصوير، كذلك الحظر المفروض على استيراد أي أجهزة أو معدات سينمائية متطورة، بسبب الحصار الاقتصادي الظالم المفروض على سورية منذ أعوام، إلى جانب النقص الحاد في الكهرباء والمازوت اللازم لتشغيل «المولدة» إلى جانب ما تحدثنا عنه سابقاً من اعتذار عن تمويل الفيلم.
محمد بيّن عتبه على المؤسسة العامة للسينما التي توزع خيرة أفلامها وتمويلها على مخرجين سوريين أو ثلاثة، ولا تسمح لأي دم جديد بإنعاش السينما السورية وتطعيمها بالمغاير والحديث، مازال لديه الكثير من الحماس والأمل، يقول «أنا شاب أكاديمي أحمل في ذهني الكثير من الأفكار، وأحمل في قلبي الكثير من المحبة لوطني، والرغبة في رد الجميل له والمشاركة في الدفاع عنه، ومن حقي أن أُعطى فرصة هنا، لقد بدأت بتلقي العروض من دول عربية، ولكني أريد أن أعطي ما لديّ لبلدي، فهو الأحق بي وأنا الأحق به» متمنياً أن يعطى فرصة لإخراج مسلسل تلفزيوني يغير فيه النظرة المؤخرة إلى الدراما السورية، ويثبت أن سورية مازالت ولادة للفن الممتع والاحترافي، أو ربما فيلم روائي طويل يثبت فيه مقدراته وخبراته وما تعلمه في الجامعات الأمريكية.
وعن الاختلاف بين النص الذي حمله معه من أمريكا وبين نص سامر اسماعيل، وأيهما الأقرب للواقع السوري يقول محمد: «نصي استغرق مني زمناً وتعباً كبيرين، وأنا أنوي تصويره، لكنني سأتعاون مع اسماعيل في إعادة كتابته لاحقاً، أما نص اسماعيل فهو قوي ومتماسك ومحبوك بطريقة احترافية وجميلة، ولا تقاطع بينهما».
وفي سؤالنا عن قدرة السينما على نقل الصورة الحقيقية لما يحدث في سورية إلى العالم، بالرغم من جبروت امبراطوريات الإعلام، يجيب محمد: «مجرد أننا نصنع سينما ونحصد الجوائز في مختلف أنحاء العالم، فهذا في حد ذاته رسالة حياة وصمود وإصرار وتحدّ، أننا رغم كل ظروف الحرب قادرون على إيصال ثقافتنا إلى العالم، ورغم الحصار والنقص الحاد في المواد، لدينا فنيون وتقنيون وممثلون وكتاب سوريون مبدعون، ولو أنهم يُعطَون ما يستحقون من اهتمام ودعم مادي لاستطاعوا منافسة أكبر شركات الإنتاج السينمائي العالمية ربما.
جائزة عالمية
«حمرا طويلة» الذي جرى تصويره في منزل دمشقي في «عين الكرش» يحكي قصة تعايش شخصيات مختلفة تجد نفسها في لعبة مكاشفة حاسمة ليكون الأبطال أمام مجابهة صادمة بين الواقع والحلم، لكنهم في النهاية يخلصون إلى حقيقة أن السوريين جميعاً على اختلاف آرائهم وتوجهاتهم، يشتركون بعدو واحد، هو الإرهاب التكفيري وفكره الظلامي، الذي يريد طمس معالم سورية باللون الأسود الداعشيّ.
الفيلم حقق مزيجاً ناجحاً ومتوازناً من الأداء المسرحي والسينمائي، تتحدث قصته عن رجل تتغير حياته مع طرقات جاءت على باب بيته، ومع كل دقة باب تتصاعد الأحداث، وتتصادم الشخصيات الخمس شيئاً فشيئاً –حسب محمد- لتبنى معها حبكة الفيلم وتتداعى الأحداث:«حمرا طويلة» هو التبغ السوري المعروف، الذي يرمز إلى الحميمية السورية الخاصة والأصيلة التي يتميز بها الشعب السوري، وهو اسم غريب انتقاه سامر اسماعيل وحقق الغاية منه، لكنني كمخرج لم أقرأه كما قرأه الصديق سامر، بل رأيت سنين الحرب الطوال وما حملته من وزر دماء بريئة، أحرقت فيها حياة آلاف العائلات التي قدمت الشهداء كرمى أن تبقى أرض سورية واحدة وموحدة وخالية من الإرهاب».
المخرج علي أكرم محمد شارك بـ«حمرا طويلة» في عدد من المهرجانات المقامة في أمريكا، وقد حصد الفيلم من مهرجان نيووزك «Newark Film Fistival» جائزتي أفضل فيلم قصير وأفضل مخرج لعام 2017، ومازال الفيلم قيد التقييم في عدد من المهرجانات العربية والدولية.
وعما إذا أثرت السياسة الأمريكية تجاه سورية في محاربة الفيلم أم لا، يجيب محمد: «الجميل بالشعب الأمريكي أنه شعب احترافي لا يسمح للسياسة بالتدخل في العمل، وإن كان لا يوافق نهجه رؤيتهم المحرّفة عما يحدث في سورية، كما أن هذه النوعية من الأفلام سورية الهوية، تساهم في رفع الغمامة عن عيون العالم الغربي، لتتضح أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم وانتصاراً بعد انتصار، الصورة الحقيقية لما يحدث في سورية»
الفيلم من تمثيل رشا بلال، مي مرهج، وكرم شعراني، ووجدي عبيدو، وأمير برازي، وموسيقا المايسترو سمير كويفاتي وإنتاج علي محمد وساعد في الإخراج إسماعيل ديركي، ومدير الإنتاج رامي عبيدو ومدير التصوير والإضاءة رضوان الطيان.
اسماعيل: دمشــق المدينــــة الكونية.. المكان الأمثل للكتابة..
عن إطلالته العالمية الجديدة يقول الكاتب سامر محمد اسماعيل: «الإطلالة العالمية لا تأتي من مدينة خارج دمشق.. هي المدينة الكونية التي أظن أنها المكان الأمثل للكتابة حيث توفر هذه العاصمة الأبدية للثقافة والفنون والحرف فضاءً للفرجة والتأمل والتفكير، إن نزهة واحدة على مهل وببطء وبذهنية المتسكع لا ذهنية المارة قادرة على تأليب أفكار عديدة، ربما هي تناقضات الحاضر والماضي الغنى والفقر والتشرد والبحبوحة، ربما هي دمشق كمكان أجنبي عن منطقة ترضخ شيئاً فشيئاً لآلهة الاستهلاك وعولمة كل شيء، من هنا يأتي فيلم (حمرا طويلة) ليقول إن دمشق خصوصاً وسورية عموماً ما زالت تحتفظ بهذا السر، كيف لا وهي مدينة السبعة أبواب والسبع بحرات والسبعة أنهار..إنها مدينة جاهزة للتمويه والتخفي والمشي ليلاً ونهاراً، إنها مدينة تكتب في الليل والنهار، «حمرا طويلة» جاء من هذه النزهات الدمشقية كتبته دونما عجل وجاء علي محمد ليحققه بحساسية لافتة وحارة وراهنة عن نحن كسوريين أنضجتنا الحرب على مهل وبسرعة في آنٍ معاً».
وعما أضافت هذه الجائزة إلى مسيرته الأدبية يقول اسماعيل: «الجائزة في مهرجان نيووزك لا تعني شيئاً سوى أنها تثبت أن كل ما تفكر به دمشق عبر كتابها وفنانيها ومفكريها صالح دائماً للجوائز والنقاش، الجائزة في عقر دار السينما الأمريكية أيضاً هو فوز للسينما السورية التي ما فتأت تنتزع الجوائز والترحيب في مهرجانات عربية ودولية، ولاسيما أفلام المؤسسة العامة للسينما التي تؤكد يوماً بعد يوم أنها وضعت وثائق لا ترد عن همجية الإرهاب وعسفه، باختصار دمشق تقول لا في عاصمة السينما السوداء، تقول لا للظلام وللضغينة وللكراهية».
The post المخرج علي أكـرم محمد في ضيافة «تشرين»: appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.