ـشهدت المدن الأمريكية في الآونة الأخيرة العديد من التظاهرات وجرائم العنصرية والكراهية على الرغم من مزاعم عدة حول «انتهاء» التمييز العنصري في الولايات المتحدة، وظهور حالات التفاؤل ولاسيما بعد استلام الرئيس الأسبق باراك أوباما ذي الأصول الإفريقية سدة الرئاسة، لكن أحداث قتل العنصر الأسود على يد العنصرين البيض مازالت مستمرة، الأمر الذي أفشل أحلام وأمنيات السود في انتهاء التمييز العنصري، وأصبح الاعتقاد عند الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية البالغ عددهم ما يزيد على (23) مليوناً من مجموع السكان، أنه يستحيل تحقيق حلم المساواة والعدالة مع البيض، ورفض بعض الولايات منحهم حقوقهم كمواطنين واستخدام كل أنواع الاضطهاد والحرمان بحقهم.
إن المتتبع لأخبار هؤلاء الزنوج وللحالة الاجتماعية التي يعيشونها الآن يرى أنها لم تتغير فيما يتعلق بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والعمل عما كان يحذر منه في الماضي، فلا تقدم في قضيتهم حيث تتوالى الأخبار لتؤكد مآسي جديدة يرتكبها الرجل الأبيض ضدهم. فما أكثر اللافتات التي تطالب بطرد الملونين وخاصة الزنوج من الشوارع الأمريكية فمنها على سبيل المثال لا الحصر تقول: (أيها الزنوج عودوا إلى غاباتكم)، (إذا كنت زنجياً فاذهب إلى الجحيم)، وتتزعم هذه الدعوات زعامات عنصرية متطرفة ترتكب أبشع الجرائم ضد الزنوج تعبيراً عن العنصرية والكراهية. وبالعودة إلى مسألة التمييز العنصري في أصله الإصلاحي يتناول التمييز القائم بسبب الأصل العنصري للإنسان (الزنوج، الهنود الحمر، الرجل الأبيض، الملونين) ولا يتناول في الأصل التمييز القائم بسبب الجنس، الرجل والمرأة، أو بسبب الدين أو اللغة أو المركز الاجتماعي أو الطبقي أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر. من هنا كانت تنص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول عام 1948 على أنه: (يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء). كما نصت المادة الثانية من الاعلان المذكور: (لكل إنسان حق التمتع بكل الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان من دون أي تمييز)، نذكر هنا بحادثة قتل الشاب الأسود في مدينة فيرغسون الأمريكية وأحداث أخرى جرت بحق السود لتؤكد سقوط تمثال الحرية في نيويورك وعلى عدم تحقيق حلم الدكتور مارتن لوثر كينغ الزنجي الذي اغتيل على يد العنصريين في مدينة ممفيس بالقضاء على العنصرية وتحقيق العدالة والمساواة. ويثبت بالدليل القاطع اليوم أن نار العنصرية مازالت مشتعلة في النفوس الأمريكية في ضوء ما تشهده أنحاء متفرقة في الولايات المتحدة الأمريكية من تظاهرات ضد السود وهذا ما يشكل أيضاً فضيحة كبرى ووصمة عار في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي أصدر عدة قرارات بما فيها عن الأحداث العنصرية الأخيرة التي شهدتها مدينة تشارلو تسفيل الأمريكية ومساواته الواضحة بين المؤيدين للعنصرية من جماعة حركة اليمين المتطرف والمناهضين لها التي أثارت خيبة أمل كبيرة لدى الأمريكيين الذين كانوا ينتظرون منه إدانة واضحة وشديدة للمنظمات المتطرفة التي تؤمن «بتفوق العرق الأبيض» كما شهدت مدينة بوسطن تظاهرات مؤيدة للعنصرية وهذا ما يدل على إخفاق إدارة ترامب في سياستها الداخلية كما في الخارجية.
من جهتهم، طالب خبراء في مجال حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الإدارة الأمريكية بإدانة الخطابات وجرائم الكراهية والعنصرية واتساع أعمال العنف ضد السود بشكل لا لبس فيه ومن دون قيد أو شرط وفي هذا الصدد قالت رئيسة اللجنة الأممية للقضاء على التمييز العنصري مع (18) خبيراً مستقلاً في بيان: (تزعجنا التظاهرات التي ترفع الشعارات العنصرية المبالغ فيها والهتافات من القوميين البيض والنازيين الجدد وجماعة كلوكس كلان التي تروج لتفوق العرق الأبيض وتحرض على الكراهية والتمييز العنصري).
وكان ستوكلي كار مايكل أحد الزعماء السود قد وصف حالة الزنوج في أمريكا بقوله: (نحن نعد أنفسنا مستعمرات داخلية ضمن الولايات المتحدة الأمريكية وهذا يعني أننا نعاني الاضطهاد نفسه الذي تعانيه الشعوب الخاضعة للهيمنة الأمريكية، وإن النضال ضد التمييز العنصري أشد من النضال ضد الاستغلال لأن اللون هو السبب الذي جعلنا مطية للمستغلين).
وكما سبق أن اندلعت ثورة الزنوج أواخر الستينيات إثر اغتيال لوثر كينغ في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وتحطمت أسطورة ارضائهم بواقعهم وحياتهم فمن المتوقع كما تشير التقارير والمعطيات أن تعم أيضاً التظاهرات والاحتجاجات من طرف السود من جديد شوارع العديد من مدن الولايات المتحدة الأمريكية رافعة شعلة الحرية والمطالبة بالإصلاحات والديمقراطية والتنديد بالعنصرية.
وأخيراً يمكن القول إن ما تشهده المدن الأمريكية من حراك ضد سياسة التمييز العنصري يأتي بالتزامن مع ما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من احتجاجات على الممارسات والإجراءات العنصرية الصهيونية المتطرفة التي ترتكبها سلطات الاحتلال ضد الشعب العربي الفلسطيني الأعزل من قتل واعتقال وهدم منازل ومصادرة أراضٍ واضطهاد وطرد ومنع الأذان في المساجد ودخول الحرم القدسي الشريف. ونذكّر هنا «بالقوانين» العنصرية الأخيرة التي تصب في مفهوم ما يسمى «الدولة اليهودية».
وعليه يمكن القول: إن العنصرية والتمييز العنصري باتت سياسة منبوذة من المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات الدولية وحركة الشعوب، ولاسيما بعد سقوط معاقلها في إفريقيا، وهي ستسقط حتماً في أمريكا وفي فلسطين المحتلة أيضاً.
كاتب فلسطيني
The post نيـران ما زالت مشتعلـة appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.