البراغماتية السياسية والمبدئية العقائدية

باستثناء الحالة السورية فقد طغت البراغماتية السياسية بشكل عميق على المبدئية العقائدية لدى بعض الأنظمة القومية وحتى الأحزاب القومية العربية واليسارية فتشكلت فجوة كبيرة أهدرت بشكل هائل طاقات المنظومة القومية اليسارية لمصلحة قوى الرجعية العربية، ومكّنت هذه القوى من استباحة ساحات وميادين شعبية مستندة إلى فرصة المهادنة التي نشأت بسبب التفات بعض الأنظمة والأحزاب القومية واليسارية إلى التعاطي مع الواقع السياسي بنظرة استعلائية سلطوية، وتخلٍ غير مفهوم عن القواعد الشعبية التي حملت الهم الوطني والقومي تاريخياً وأنتجت الثورات والمتغيرات الكبرى بعد حقبة الاستعمار الغربي في النصف الأول من القرن العشرين وكانت الحامل الرئيس لصمود هذه الأنظمة والأحزاب.
إن مهادنة القوى الرجعية تنم عن جهل سياسي فاضح بطبيعة الخصم وارتباطاته الخارجية والمآلات التي يرمي للوصول إليها وكذلك بطبيعة الصراع التاريخي وحيثياته.
إن أسوأ ما في المهادنة بذاتها أنها لم تكن في الواقع إنتاج نصر محقق أو تقدم بارز في المواجهة مع الرجعية بقدر ما كانت حصيلة انشغالات بهموم السلطة والمكاسب.
ولذلك فعندما وقعت أحداث ما سمي «الربيع العربي» تقدمت القوى الرجعية في بلدان عدة، إلا أنها في سورية استعانت علناً ومن دون مواربة بالتدخل الخارجي المباشر عبر توريد مقاتلين أجانب وعرب وأسلحة وحصارات اقتصادية ودعم استخباراتي وأموال طائلة، وذلك لأن حجم الرجعية في سورية لم ينم إلى حد القدرة على مواجهة التيار القومي اليساري وهزيمته، وسبب ذلك أن النظام السياسي في سورية بقي ملتزماً بالثنائية «العقائدية – البراغماتية» ومستخدماً لها بتفوق وبراعة وفقاً لموازين القوى والتعاطي مع المتغيرات بذكاء وحكمة.
كما أنه تجاوز مفهوم المهادنة لعدم واقعيته إلى مفهوم الاستيعاب الممكن والعزل المتاح ومنع التمكين المحتمل.
ومن هنا يجب فهم أن ما حدث في سورية ليس أزمة داخلية أبداً بقدر ما هو حرب خارجية استثمرت جزئياً بأدوات محلية بشكل ابتدائي لتوفير الظروف السياسية والإعلامية للتدخل العلني بذرائع «الحرية والديمقراطية والتغيير» وغير ذلك.
إن طبائع المواجهة أكدت مجدداً أن البراغماتية السياسية يجب أن تبقى دائماً في خدمة المبدئية العقائدية وأن لا محل لأداء براغماتي على حساب العقيدة والمبدأ، وأن الحامل الموضوعي لأي انتصار هو الالتزام بهذه المفاهيم بشكل تام ومطلق وأن تجاوز هذه القواعد هو كمن يطلق النار على وجهه.
إن الحاجة ماسة لاستحضار العمل القومي واليساري عبر القوى الجماهيرية القومية واليسارية وتنظيماتها المختلفة وتشكيل جبهة حقيقية ووضع برامج مرحلية متناغمة بمفاهيم تثويرية واستهداف شرائح الأجيال جميعها بخطاب هادئ عاقل صادق وشفاف.
إن مهادنة الرجعية إضافة مقيتة في رصيد العدو الصهيوني.

The post البراغماتية السياسية والمبدئية العقائدية appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the البراغماتية السياسية والمبدئية العقائدية on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.