لخمسة أعوام مضت، أطلت عفرين على جميع المعارك التي أحاطت بها في الشمال السوري، دون أن تشارك في إحداها، بل اكتفت بتحصين حدودها التي تحوّلت بموجبها إلى قلعة تسهم جغرافيا الجبال في تشييدها، ويحرس ثغورها مقاتلون بمهام أمنية شديدة الصرامة.
مع التحصين الخارجي، انغلقت عفرين على نفسها وانشغلت بتجاراتها الجديدة، ومؤسساتها المرتبطة بـ “الإدارة الذاتية” التي أعلن عنها في الحسكة، على اعتبارها المقاطعة الثالثة في “فيدرالية شمال سوريا”، أو إقليم “روج آفا”.
وعلى الرغم من البعد الجغرافي بين مقاطعتي الجزيرة وكوباني في شمال شرق، ومقاطعة عفرين في أقصى شمال غرب سوريا، شكلت تلك المسافة مساحة الحلم الكردي الوليد الذي تطلّ حدوده الغربية على المتوسّط.
ويعني مصطلح “روج آفا” حرفيًا “كردستان الغربية”، التي من المفترض أنها تشمل المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، بغض النظر عن وجود كتل بشرية غير كردية في مقاطعاتها وفي المناطق الفاصلة بينها.
ورغم التأكيد المستمر للسياسيين والعسكريين الكرد، عدم رغبتهم في الانفصال عن سوريا، وحصر مطالبهم في تشكيل إقليم مشابه لإقليم كرستان العراق (جنوب كردستان)، لكن هذا المطلب يشكّل المدخل إلى حلم “دولة روج آفا”.
مع خروج عفرين من “خريطة الأصفر” لم يعد تحقيق ذلك الحلم متاحًا كما في السابق، بل بات يهدّد ما تبقى من مناطق تحت سيطرة القوات الكردية، ويترك تساؤلات عدّة عن مستقبلها.
خالية من “الوحدات”..
عفرين تنتظر من يدير أمورها
شكلت خسارة “وحدات حماية الشعب” (الكردية) لعفرين تحولًا مفصليًا في خريطة السيطرة شمالي سوريا، وغدت المنطقة خارج حساباتها بموجب عمليات عسكرية قادها الجيشان التركي و”الحر” منذ كانون الثاني 2018، لتنتهي بالسيطرة على كامل المنطقة، منتصف آذار الماضي.
وبعد نحو أربعة أعوام من سيطرة مؤسسات الإدارة الذاتية على عفرين، تنتظر اليوم تنظيم أمورها الإدارية استجابة للوضع العسكري الجديد، وتنفيذ مخرجات مؤتمر “إنقاذ” احتضنته مدينة غازي عنتاب التركية، الأحد 18 من آذار، وتمخضت عنه جملة من البنود، على رأسها تشكيل مجلس مدني لإدارتها.
كما شهدت الخريطة الاقتصادية في المنطقة تغيرًا جذريًا، تمثل بافتتاح معبرين داخليين، أولهما في قرية دير بلوط، المقابلة لمنطقة أطمة شمالي إدلب، والثاني في قرية العزاوية، ويتحرك طريقه نحو دارة عزة في ريف حلب الغربي.
وقررت تركيا إنشاء معبر آخر خارجي بينها وبين عفرين، تزامنًا مع افتتاح المعبرين داخل الأراضي السورية، على أن يكون في قرية حمام الحدودية التي تتبع لقضاء “قوملو” شرقي ولاية هاتاي.
وتستمر عمليات إزالة الألغام التي خلفتها “الوحدات” في المنطقة، ووفق الناطق باسم “مؤتمر الإنقاذ” والمعارض الكردي حسن شندي، فإن مجموعة من اللجان شُكلت لبدء العمل أبرزها: لجنة العلاقات العامة، اللجنة الإغاثية، لجنة المتابعة، لجنة إعادة المهجرين، اللجنة التعليمية، اللجنة الإعلامية، واللجنة القضائية.
وقال شندي لعنب بلدي إن الكرد يمثلون النسبة الأكبر ضمنهم (85 شخصًا)، وفيهم مستقلون وحزبيون وأطباء ومحامون وفنانون، وعلى رأسهم شيوخ عشيرتي البوبنا والعميرات، وإيزيديون وشخصيات علوية من ناحية المعبطلي.
واختير قرابة 30 شخصًا ليكونوا ضمن مجلس مدينة عفرين، جميعهم في تركيا، وأوضح الناطق باسم المؤتمر، أن الأيام المقبلة ستشهد تحديدًا لمن سيدخل منهم إلى عفرين لمساعدة الأهالي، بإشراف منظمات حقوقية ومدنية مختصة.
لا تفعيل واضح حاليًا بخصوص المجلس ومعظم مخرجات المؤتمر، وبحسب شندي، فإن منظمي المؤتمر يسعون لذلك “في الوقت القريب”، بينما ظهرت محاولات من أطراف أخرى لتشكيل مجلس آخر، وما زال الوضع دون ضبط في المنطقة حتى اليوم.
وتتمثل أبرز مطالب الأهالي بفتح ممرات آمنة لعودة الناس إلى قراها وإنهاء المظاهر المسلحة في عفرين، بينما أقر شندي بصعوبة الوضع.
ونصت بقية بنود المؤتمر على احترام خصوصية جميع المكونات العرقية والدينية والمذهبية في المنطقة، والتأكيد على الاهتمام بالتعليم والصحة والقضاء وجميع مناحي الحياة، واحترام حقوق المرأة، على أن تعمل عائلات عفرين “الكبيرة” ورؤساء العشائر بدعم من تركيا على إعادة إعمارها.
إضافة إلى إطلاق سراح جميع سجناء الرأي من سجون عفرين، والدعوة إلى مصالحة وطنية بين مكونات المدينة، وتسليم إدارة المدينة ونواحيها إلى أبناء عفرين.
حزب “سوريا المستقبل” بديل لـ “PYD”
ذات العبارات وعلى رأسها: “ديمقراطية تعددية لا مركزية” ترددت لدى إعلان “النظام الفيدرالي” شمالي سوريا عام 2016، وخلال قراءة البيان الختامي للمؤتمر التأسيسي الذي أفضى لتشكيل حزب “سوريا المستقبل”، في 27 من آذار 2018، ما جلب جملة من التساؤلات حول الهدف من تشكيل الأخير، الذي قيل إنه بديل حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي.
من داخل مدينة الرقة التي سيطرت عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في 20 من تشرين الأول 2017، قرأ رئيس الحزب إبراهيم القفطان بيانه الختامي إلى جانب أمينته العامة هفرين خلف، وقال إنه جاء جامعًا لأطياف وشرائح الشعب السوري بمختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم.
وافتتح المؤتمر بحضور 800 “مندوب” من مختلف المناطق السورية، إلى جانب 100 ضيف من مختلف الأحزاب والكتل السياسية والشخصيات الوطنية والاجتماعية والمؤسسات والمجالس المدنية، وفق القفطان، الذي تلا برنامج الحزب والنظام الداخلي.
وعُزي تأسيس الحزب “السياسي التقدمي”، إلى أن “المؤتمرين الذين تجمعهم رؤية مشتركة للحل، رأوا أنه لا خيار أمام السوريين سوى تفعيل آليات الحل السلمي، في ظل غياب أحزاب وطنية جامعة لكل أطياف وشرائح الشعب السوري بمختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم”.
الكاتب الكردي عادل حنيف داود، القاطن في تركيا، يرى أن تشكيل الحزب “محاولة يائسة لن تفيد، لأنه بات معروفًا للعالم وللسوريين والكرد من هو وما هويته”، مؤكدًا لعنب بلدي أن “هذه الخطوة بالتأكيد من توجيه الولايات المتحدة الأمريكية، التي تريد أن تقول لتركيا والعالم: نعم أنا اعتبر حزب العمال الكردستاني (PKK) منظمة إرهابية لكن هؤلاء ليسوا كذلك”.
“لن تؤثر الخطوة على المجريات، لكن أمريكا تستغل كل شيء لصالحها وتخدع الجميع”، من وجهة نظر داود، الذي يقول إنها ستتخلى عن الحزب عندما ترى بأنها حققت مآربها.
ويقول المحلل والخبير في الشأن التركي ناصر تركماني، إن “حزب العمال الكردستاني” منذ نشوئه وهو يؤسس عشرات الكيانات السياسية والعسكرية تحت أسماء مختلفة، لافتًا إلى أنه “على الرغم من تغير المسميات، بقيت أهدافه وممارساته نفسها لم تتغير”.
ويشير تركماني خلال حديثه لعنب بلدي، إلى أن التغير الأخير بخصوص تأسيس “سوريا المستقبل”، “يظهر حجم مأزق التحالف الأمريكي مع حزب العمال، ومحاولة واشنطن إلباس هذا التحالف زيًا سوريًا ديمقراطيًا يُمكن من تسويقه لدى أنقرة”.
ويرى المحلل أن الخلافات الأمريكية- التركية سبب رئيسي في اتباع سياسة تغيير اسم وشكل الحزب، إلا أن واشنطن ما زالت تأمل في إيجاد صيغة لإقناع تركيا، سواءً عبر حوافز سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، وحتى خلف الكواليس، وآخر المحاولات تمثلت بعرض صفقة بيع وتصنيع صواريخ “باتريوت” بدلًا من S400 الروسية، على حد وصفه.
أهداف “حزب المستقبل” بحسب البيان الختامي
تمثلت أهداف “سوريا المستقبل” بالسعي لإعادة اللحمة الوطنية، والإيمان بالتغيير السياسي السلمي يضمن عقد اجتماعي ودستور يؤسس لسوريا ديمقراطية لامركزية تقوم على مبادئ التعددية وحرية الاعتقاد والتعبير والمساواة بين الجنسين، وتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات، وفق البيان الختامي للتشكيل.
ويرفض الحزب “كل أشكال الشوفينية والعنصرية وحل القضايا القومية ومنها القضية الكردية وفق العهود والمواثيق الدولية”، كما “يؤمن بأن لكل أطياف الشعب السوري الحرية بالاعتقاد والتعبير وممارسة الشعائر الدينية والمحافظة على الهوية القومية.”
كما “يسعى إلى بناء أحسن العلاقات مع دول الجوار وشعوبها، بما فيها تركيا والعراق، على قاعدة المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، ودعم وصول المساعدات الإنسانية للمناطق التي تضررت وحُررت من داعش في جميع أنحاء سوريا، وإلى تأمين الحدود مع دول الجوار”.
ويؤكد على أن مصلحة الشعب ووحدة الأراضي السورية “تقدم على كل مصلحة قومية أو دينية ومذهبية ويرفض المحاصصة على هذه الأسس، وعدم الارتباط بأجندات إقليمية أو دولية أو برامج أي أحزاب وتنظيمات سياسية”.
ويدعو إلى إقامة “أفضل العلاقات” مع أعضاء المعارضة السورية، ودعوتها للتعاون والعمل المشترك، ورصد كل الطاقات من أجل وقف نزيف الدم وإعادة البناء والاستقرار، ملتزمًا بمخرجات جنيف والقرارات الأممية ذات الشأن، وخاصة القرار 2254.
ويرى أنه يجب أن تكون جميع أطياف الشعب السوري ممثلة في العملية السياسية، بما في ذلك صياغة دستور جديد للبلاد والمشاركة بحرية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة.
ما بعد عفرين..
حشد سياسي وشعبي للتحرك شرقي الفرات
فتحت السيطرة على منطقة عفرين الباب أمام تركيا للبدء بتحقيق أهدافها على طول حدودها مع سوريا، وانطلقت من مقومات ترتبط بحماية أمنها القومي وإبعاد الخطر الملازم لها منذ سنوات، والمتمثل بـ “وحدات حماية الشعب” (الكردية) التابعة لـ “حزب العمال الكردستاني”، المحظور من قبلها.
وكان لسرعة تحقيق أهداف “غصن الزيتون” في عفرين الدافع الأكبر للاعب التركي للتفكير ببقية المناطق على طول الشريط الحدودي، إذ تمكنت فصائل “الجيش الحر” والجيش التركي من السيطرة على كامل عفرين في أقل من شهرين، وبأقل التكاليف، سواء على المستوى العسكري أو المعنوي المرتبط بالمدنيين، ما شكل حافزًا لفرض الخيار العسكري المعلّق منذ سنوات.
تهديدات متتالية تصدرت المشهد السوري في الأيام الماضية على لسان مسؤولين أتراك، آخرها قول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن تركيا تجهز للسيطرة على أربع مناطق سورية على طول حدودها (رأس العين، الحسكة، تل أبيض، كوباني)، ورافق ذلك إغلاق المعابر المؤدية إلى منبج بشكل كامل، وإيقاف الحركة التجارية والمدنية منها وإليها.
وتزامنت مع ذلك مظاهرات في ريف حلب الشمالي طالبت فصائل “الجيش الحر” والجيش التركي بالتحرك للسيطرة على المناطق الواقعة شرقي الفرات، وتركزت بأهالي المناطق التي سيطرت عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بينها رأس العين، تل أبيض، الشيوخ، صرين.
كما أطلقت دعوات من شيوخ عشائر سورية موجودين في تركيا للانخراط في عمليات عسكرية داخل سوريا، آخرها دعوة إلى التحضير للسيطرة على مناطق شرق الفرات، بعد دعوة من خالد الخلف، أحد شيوخ عشيرة “البكارة”، بحضور قائم مقام ووالي مدينة أورفة.
وبحسب الخلف، في حديث لعنب بلدي، فإن الاجتماع كان “بـمثابة حث أبناء وزعماء القبائل الأخرى على التعاضد وتحرير المنطقة الشرقية من سوريا، التي تسيطر قسد”.
مزيد من “الأمن الاستراتيجي”
لم يكن التهديد الذي أبداه أردوغان جديدًا، بل سبقته وعود أطلقت عقب السيطرة على مركز عفرين، وأكدت نية تركيا الوصول إلى الحدود السورية- العراقية، و”تطهير” كامل حدودها من “الإرهاب”.
ويقول المحلل السياسي التركي، محمود عثمان، إن تركيا لديها شعور بأنها لم تتمكن من تأمين الحد الأدنى لها حتى اليوم، سواء المناطق التي تحقق أمنها “الاستراتيجي”، أو حصتها في ساحة النفوذ على الساحة السورية.
ويضيف لعنب بلدي أن المسألة السورية بالغة الحساسية وشديدة التعقيد، وهناك أطراف دولية متداخلة، وأي طرف يرغب بالتحرك ليس بالأمر السهل، وهو ما يمكن ربطه بنية تركيا التحرك على الحدود، والذي تحكمه التفاهمات مع الدول الإقليمية الأخرى.
وأعطى نجاح “غصن الزيتون”، والمكاسب التي حققتها بأقل الخسائر بشريًا وماديًا، دفعة كبيرة لتركيا ومعنويات للاستمرار بنفس الطريقة، ويعتقد عثمان أن الأتراك يتحركون بـ “استراتيجية النفَس الطويل”، وهو ما تم تطبيقه في “درع الفرات”، وصولًا إلى إنهاك الخصم ماديًا ومعنويًا واستنزاف قواه العسكرية.
إلى الحدود الجنوبية الشرقية بتفاهمات دولية
ويؤكد المحلل العسكري، العقيد أديب عليوي ما قاله عثمان، معتبرًا أن البرنامج التركي محسوم للتحرك على كامل الحدود، لكن الأمر محكوم بالتفاهمات الدولية.
ويوضح لعنب بلدي أن نية تركيا التحرك على حدودها ليس وليد اللحظة، مدللًا بأن الدعم المالي والعسكري المقدم لفصائل “الجيش الحر” بتكاليف باهظة مرتبط بالتقدم على كامل المناطق التي تسيطر عليها “الوحدات”.
وبحسب عليوي، فإن التفاهمات عبارة “فضفاضة”، والتحرك العسكري لن يكون عشوائيًا، ويشير إلى أنه في حال انسحاب أمريكا من المناطق شرقي الفرات، ستسد كل من روسيا وإيران الفراغ من جديد، وتدخلان مناطق شرقي الفرات بصراع مختلف.
وحتى اليوم لا يمكن فصل أي تحرك تركي على مناطق “الوحدات” عن التفاهمات الخاصة بأمريكا، والتي كان على رأسها وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيلرسون، في آخر زيارة له إلى تركيا، وأكد فيها حق تركيا في تأمين حدودها.
وما شدد على ذلك، المعلومات التي أشار إليها أردوغان في خطاب له، 31 من آذار الماضي، قائلًا “عندما استقبلت تيلرسون (وزير الخارجية الأمريكي المقال) قال خذوا أنتم الشمال ونحن نأخذ الجنوب، فقلت له: لم علينا تقسيم البلد أو أخذه؟ إن هذا البلد له أهله وسكانه الأصليون”.
ويعتبر عثمان أن “ما بعد غصن الزيتون ليس كما قبلها، وستتجه تركيا إلى تحرير الحدود في الأيام المقبلة، لكن ستعتمد في ذلك على ميدان التفاهمات السياسية وعدم الصدام مع الطرف الأمريكي خصوصًا”.
ويوضح أن الدول الإقليمية اللاعبة في سوريا كانت تشارك على الأرض في السنوات السابقة عبر وسطاء محليين، أما الآن فبقواتها المباشرة، وخاصة تركيا وأمريكا وروسيا.
وفي حال “نفد صبر الأتراك”، يشير عثمان إلى أن تركيا ستقوم بالضغط على منبج تحديدًا، وهي المدينة المفروغ من أمرها، بينما المناطق الواقعة شرقي الفرات سيعطي الأتراك فوقية في المطالب حولها.
فيما يشير الكاتب الكردي، عادل حنيف داود، إلى أن “التقلبات العجيبة على مسرح السياسة الدولية بخصوص سوريا” تجعل من الصعب التكهّن بمستقبل شرق سوريا، لكنه يعتقد أن المنطقة “ستعود مؤقتًا لتركيا بعد ضمانات أمريكية بحقها في بترول وغاز شرق الفرات، ثم ستعود لسيادة سوريا موحدة لاحقًا بعد اتفاق الكبار فيما بينهم على تقاسم المنافع”.
فرنسا تدخل ميدان “شرق الفرات” من بوابة الكرد
بدأت بعض الدول الغربية، وخاصة فرنسا وبريطانيا، المنضوية ضمن التحالف الدولي، الذي تقوده أمريكا ضد تنظيم “الدولة الإسلامية “، البحث عن موطئ قدم لها في شمال شرقي سوريا، بعد انحسار التنظيم بشكل كبير باستثناء بعض الجيوب، مع تقدم للجيش التركي وإخراجه لـ “وحدات حماية الشعب” (الكردية) من مدينة عفرين وتهديداته بالتقدم نحو الشرق.
الأسابيع الماضية شهدت سجالًا سياسيًا بين فرنسا وتركيا حول “قانونية” العملية العسكرية التي شنتها أنقرة في عفرين، لتزيد حدة التوتر عقب لقاء جمع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مع وفد من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتعهدها بتقديم الدعم وتحقيق استقرار شمال شرقي سوريا، وإرسال مزيد من القوات الفرنسية إلى المنطقة.
وصعدت تركيا في تصريحاتها بشكل غير مسبوق، إذ أكد وزير الدفاع التركي، نور الدين جانكلي، 31 من آذار، أن إقدام فرنسا على إرسال جنودها إلى الأراضي السورية، سيكون بمثابة “مغامرة وقد تصبح هدفًا للجيش التركي”، قائلًا: “في حال أرادت باريس أن يكون لها وجود عسكري تهدف من ورائه دعم التنظيمات الإرهابية بشكل مباشر أو غير مباشر، فسيكون وجودًا غير مشروع بموجب القانون الدولي، وبمثابة احتلال”.
وإلى جانب فرنسا، زار وفد من حزب العمال في مجلس اللوردات البريطاني، الأربعاء 4 من نيسان، مدينة القامشلي، وتعهد بالتضامن والوقوف مع “وحدات حماية الشعب” (الكردية) في وجه ما يتهددها من هجمات تركية في شمالي سوريا، بحسب ما نقلت وكالة “رويترز”.
تساؤلات كثيرة أثارتها التحركات الفرنسية والبريطانية المفاجئة، والأسباب التي تدفعهما للتصادم مع تركيا في دعمهما للقوات الكردية.
الكاتب والمحلل السياسي، فراس رضوان أوغلو، أوضح أن فرنسا لم يكن لها حضور في سوريا ويعتبر موقفها من أضعف مواقف الدول الغربية، لأن السوريين يعتبرونها إرث احتلال (احتلت فرنسا سوريا مدة 26 عامًا في ثلاثينيات القرن الماضي).
وأكد رضوان أوغلو أن فرنسا دخلت بضوء أخضر من أمريكا، بهدف تخفيف الضغط التركي عليها في قضية دعم القوات الكردية وخروجها من بعض المناطق وخاصة منبج، كون أمريكا تعتبر أنقرة حليفًا استراتيجيًا لها ولا تريد خسارته، مشيرًا إلى أن الدول الغربية تتخوف من تقدم تركيا في المنطقة، باعتباره تقدمًا إسلاميًا له نفوذ شعبي ومرحب به من قبل السوريين في الشمالي السوري.
وتوقع الباحث السياسي دخول فرنسا في مناطق محدودة، لأن دخولها بشكل كبير سيكون تحديًا خطيرًا لتركيا قد يؤدي إلى تصعيد في المنطقة وحصول اشتباكات بين الطرفين.
التصريحات الفرنسية تزامنت مع إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الانسحاب من سوريا قريبًا، الأمر الذي استبعده رضوان أوغلو، كون أمريكا أسست قواعد عسكرية وتسيطر على آبار النفط في المنطقة التي تعتبرها أمريكا مسمارًا يطل على دول العراق وإيران وتركيا وسوريا، لكنها قد تسلم بعض المناطق للفرنسيين.
ترجيحات شعبية بسيطرة تركيا على شرق الفرات
في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي على موقعها الإلكتروني بشأن الجهة التي يتوقع الشارع السوري أنها ستسيطر على منطقة شرق الفرات في سوريا، رجح غالبية المستطلع رأيهم أن الفرص الأكبر ستكون لـ “الجيش الحر” المدعوم من تركيا.
وطرحت عنب بدي سؤالًا على موقعها “برأيك.. إلى من ستؤول السيطرة على شرق الفرات في سوريا؟”، أجاب 27% من المشاركين بالاستطلاع، وعددهم 528، أن المنطقة ستبقى تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة.
ورجح 44% من المشاركين بالاستطلاع أن السيطرة ستكون للمعارضة السورية المدعومة من تركيا، في ضوء التصريحات التركية، مؤخرًا، والتي أبدى مسؤولوها إصرارًا وجاهزية للسيطرة على مناطق شرق الفرات، رغم الصدام الذي قد يواجهه الأتراك من الولايات المتحدة وفرنسا.
فيما توقع 29% من المستطلع رأيهم أن تضع روسيا، الداعمة للنظام السوري، ثقلها شرق الفرات، معتبرين أن المخطط الروسي الإيراني التركي يقضي بتقاسم الشمال السوري، لقاء ضمانات قد تحصل عليها تركيا من الجانب الروسي فيما يتعلق بالكرد.
ويدعم التحالف الدولي القوات الكردية شرق الفرات، مقابل دعم روسي لقوات الأسد غرب النهر.
فيما تأتي سيطرة “الجيش الحر” على مدينة عفرين، في شباط الماضي، ضمن ما يعرف بعملية “غصن الزيتون” التي أعلنت عنها تركيا، لترجح الكفة التركية بالسيطرة على الشريط الحدودي السوري مع تركيا، في محاولة منها لحماية “أمنها القومي” كما تقول.
ست محاولات لإقامة دول كردية قبل “روج آفا”
كان لانهيار الدولة العثمانية الدور الأكبر في تفتح الوعي العسكري الكردي في منطقة الشرق الأوسط، وتحرك محاولات إقامة الدولة الكردية.
في عام 1920، أي عقب الحرب العالمية الأولى، وقعت تركيا مع الحلفاء معاهدة “سيفر” (معاهدة الصلح)، التي نصّت على حصول كردستان على الاستقلال، لكن المعاهدة لم تكن لتعيش في ظلّ معارضة شديدة لها من أنقرة.
وبعد ثلاثة أعوام على توقيعها، عملت حكومة أتاتورك على تمرير تسوية جديدة من خلال معاهدة “لوزان” عام 1923، التي تجاهلت ما أقرته “سيفر” من حقوق للكرد، وقيّدت أحلامهم لقرن مقبل، قامت خلاله سبع محاولات لإقامة دويلات كردية كان آخرها دولة “روج آفا” في سوريا.
مملكة كردستان العراق 1922
هي دولة غير معترف بها، أعلن عنها في مدينة السليمانية العراقية، تحت الانتداب البريطاني، بقيادة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي، بين عامي 1922، و1924.
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، أعلن الشيخ البرزنجي تسليم لواء السليمانية إلى القوات البريطانية، فكافأه الإنكليز على ذلك بتعيينه حاكمًا على السليمانية، ثم عادوا ليقيدوه بعد أن شعروا برغبته في التمرد، إلى أن تم نفيه إلى الهند.
في عام 1921 أجري استفتاء للشعب العراقي على تنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكًا على العراق، واجهه الكرد في السليمانية بالمقاطعة، وأعلن الشيخ قادر، شقيق الشيخ محمود المنفي في الهند، مطالبته بحكم ذاتي مستقل ورفض فكرة الانضمام إلى العراق.
حاولت تركيا استغلال التوتر في السليمانية لحل قضية الموصل المتنازع عليها مع بريطانيا، فحركت حشودًا عسكرية، واحتلت عددًا من المدن العراقية.
استشعرت بريطانيا الخطر التركي، واستقدمت للوقوف في وجهه عدوّها القديم، الشيخ البرزنجي، فأعادته من منفاه إلى السليمانية مرة أخرى عام 1922، لكن البرزنجي لم يكن ليثق ببريطانيا فأعلن نفسه ملكًا على كردستان عام 1922.
وبالفعل حاولت بريطانيا أن تنزع سلطته بعد أشهر، ثم تحركت الحكومة المركزية في بغداد واقتحم الجيش العراق مدينة السليمانية عام 1924، وانتهت بذلك أولى المحاولات الكردية لإقامة الدولة.
جمهورية كردستان الحمراء في أذربيجان 1923
تسمى أيضًا بكردستان السوفييتية، تشكّلت في أذربيجان عام 1923 بأمر من الزعيم السوفييتي، لينين، كجمهورية ذات حكم ذاتي، مرتبطة بحكومة أذربيجان، التي كانت خاضعة آنذاك للاتحاد السوفييتي.
تم اختيار مدينة لاجين الواقعة غربي أذربيجان كعاصمة لجمهورية كردستان الحمراء، وقسمت الجمهورية إلى أربع وحدات إدارية، لتكون أولى تجارب الحكم الذاتي للكرد.
لم يدم نعيم لينين على الكرد في الجمهورية الوليدة، إذ وصل الزعيم السوفييتي الجديد، ستالين، إلى الحكم عام 1924، وبدأ حملته ضدّ الأقليات العرقية، ومن بينهم الكرد، وفق بعض المراجع التاريخية الكردية.
وشهد عام 1929 نهاية “تراجيدية” لجمهورية كردستان الحمراء، بعد ستة أعوام على تشكيلها، ويشير بعض المؤرخين إلى أن “سياسة ستالين غير المفهومة تجاه الكرد” كانت سببًا في انهيار الجمهورية الكردية الأولى، إضافة إلى معارضة حكومة أذربيجان لدولتهم، وقيامها بعمليات تهجير قسري للكرد إلى مناطق خارج حدود جمهوريتهم.
جمهورية أرارات في تركيا 1927
في عام 1927 أعلنت اللجنة المركزية لحزب “خويبون” الكردي عن جمهورية أرارات في جنوب شرق تركيا، بعد تمرّد عسكري قاده الجنرال إحسان نوري باشا.
اختيرت قرية كرد آفا التي تقع بالقرب من جبل أرارات، عاصمة مؤقتة للجمهورية، إلا أن تركيا لم تكن للتساهل مع ولادة دولة كردية على أراضيها، فواجهتها بحملات عسكرية عدة.
فشل الكرد في الحصول على أي دعم دولي، وأرسلوا مناشدات إلى “عصبة الأمم” للاعتراف بجمهورية أرارات، إلى أن نجح الجيش التركي في اقتحامها عام 1930.
جمهورية مهاباد في إيران 1946
تأسست في أقصى شمال غرب إيران حول مدينة مهاباد عام 1946، كنتيجة للأزمة الإيرانية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية.
عقب الحرب العالمية الثانية توغّلت قوات الاتحاد السوفيتي في جزء من الأراضي الإيرانية، بحجة أن شاه إيران رضا بهلوي كان متعاطفًا مع أدولف هتلر، وكان ستالين يطمح إلى توسيع نفوذ الاتحاد السوفييتي بصورة غير مباشرة عن طريق إقامة كيانات موالية له، فدعم قاضي محمد مع مصطفى البرزاني لإعلان جمهورية مهاباد.
لم تمضِ عشرة أشهر على إعلان الجمهورية الجديدة حتى انسحبت القوات السوفييتية من إيران، ما أتاح للقوات الحكومية الإيرانية القضاء نهائيًا على الحكم الكردي في المنطقة.
إقليم كردستان العراق 1979
يمثّل الإقليم أطول تجارب الحكم الذاتي للكرد دون أن يتمكن من الحصول على الاستقلال.
حمل الإقليم اسم “منطقة الحكم الذاتي الكردية” منذ العام 1979، وهو تاريخ توقيع صدام حسين، وممثلين لزعيم الكرد آنذاك، مصطفى البارزاني، على اتفاقية أنهت سنوات من الحرب بين بغداد والكرد.
وظلت السيطرة الفعلية على الإقليم بيد بغداد، وفي أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991، وتأسيس منطقة الحظر الجوي لم يعد للعراق تأثير يذكر على منطقة الحكم الذاتي الكردي.
وفي العام 2005 تحولت تلك المنطقة إلى “إقليم كردستان العراق”، الذي أصبح له علم ودستور ونشيد قومي وحكومة وبرلمان.
أجرى الإقليم العام الماضي استفتاءً للانفصال عن العراق شمل محافظات الإقليم الثلاث (أربيل والسليمانية ودهوك)، بالإضافة إلى كركوك المتنازع عليها مع بغداد، ووافق المصوتون بأغلبية ساحقة على الانفصال، لكن حكومة بغداد رفضت الاعتراف بالاستفتاء، كما لم تلقَ نتائجه أي ترحيب دولي، ما دفع حكومة الإقليم للتراجع عن الاستقلال.
جمهورية لاجين في أذربيجان 1992
تعدّ جمهورية لاجين آخر الدول الكردية التي أعلنت استقلالها. وكسابقاتها، لم تحظ بأي دعم أو تأييد دولي، إذ نشأت نتيجة الفوضى التي عمت الجمهوريات المنبثقة عن الاتحاد السوفييتي.
في عام 1992 أعلن ويكيل مصطفاييف عن الجمهورية الجديدة في مدينة لاجين الأذربيجانية، بعد أن استولت عليها القوات الأرمينية، إذ تم نقل المثقفين والشباب الأكراد الموجودين في أرمينيا إليها.
لم تصمد الجمهورية أمام حملات الحكومة الأذربيجانية، كما ساعد الدعم التركي لموقف الحكومة والصمت الروسي إزاء ذلك، على انهيار الدولة سريعًا، وفرار رئيسها إلى إيطاليا.
Read morePosted from Enabbaladi
Note: Only a member of this blog may post a comment.