يرونها ضرورة ملحة وتمدّ جسور الثقة.. مثقفون سوريون يتطلّعون لإحداث فضائية ثقافية

إدراكاً منّا لأهمية الإعلام الثقافي الذي يسلط الضوء على مقوماتنا الثقافية، وأهمية أن يقوم هذا الإعلام بدوره في فتح صندوق الأسئلة حتى لو كان مليئاً ببعض المخاطر التي لابد من مواجهتها بشكل عقلاني، وإيماناً بضرورة تحفيز منتجي الثقافة على الإنتاج وتسليط الضوء على نتاجهم في أي حالة جاء لتحريضهم على تطويره بالحوار والنقد والاهتمام، توجهت «تشرين» لمجموعة من المبدعين في حقول مختلفة بالأسئلة الآتية: كيف تنظرون إلى ضرورة أن يكون لدينا فضائية ثقافية، ما هي مقترحاتكم – إن وجدت- لما يجب أن تقدّمه من برامج، وهل تعتقدون أنها قد تلعب دوراً في لمِّ شمل المبدعين كافة بعد هذه الحرب؟ معاً نقرأ هذه الآراء:

يرى الشاعر شوقي بغدادي أن «وجود فضائية ثقافية سورية ضرورة لأن الفضائيات الأجنبية تروّج أحياناً لثقافة غير نزيهة ولأن العرب مقصّرون في هذا النشاط، ولأن سورية أصلح من غيرها على تقديم ثقافة نحتاج إليها وتليق بها كدولة تعرضت لحرب مدمّرة». كما يربط ضرورتها بأن سورية «تعود شيئاً فشيئاً إلى عهود السلام والتقدم والطمأنينة». ويستهل المسرحي عبد الفتاح رواس قلعه جي إجابته بالإشارة إلى أن «إسبارطة ذهبت، وبقيت أثينا في الذاكرة والتاريخ والاهتمام مدينة للفكر والفلسفة والإبداع والمسرح»، ولهذا ضرورة ملحة لإحداث فضائية ثقافية سورية، ويتابع القول: «بعد سبع سنوات من الحرب لابد أن ندرك أن بناء الإنسان الداخلي الفكري والثقافي الواعي، هو الذي يمنع مثل هذه الحروب العبثية التي لا يقترف جرمها غير المعتمين فكرياً، وعقولهم ظلمات بعضها فوق بعض». وفي نظر الشاعر د. ثائر زين الدين مدير الهيئة العامة السورية للكتاب «إحداث فضائية ثقافية سورية أمر مهم جداً؛ ويكاد يكون ضرورة ملحة وقد شارفت الحرب على وضع أوزارها؛ وتعلمنا الكثير من مكابداتها ومجرياتها، وأدركنا، ولاشك أن شطراً كبيراً من تلك الحرب كان ثقافياً». ولأن الثقافة في نظر الناقد د. عاطف بطرس «ضرورة حياتية كالماء والهواء لكل مواطن مهما اعتقد أن ثقافته لا تحتاج اغتناء» يرى ضرورة إحداث هذه الفضائية، في حين ترى الشاعرة غادا فؤاد السمّان ضرورة الفضائية لأن معارض الكتب تحولت إلى منصّة ترويج لسلع الطبخ ومساحيق التجميل وفنون الخياطة وثرثرات الأبراج وتجّار الفلك، وصارت الأزمة متعددة الوجوه، وهي أزمة مثقف حقيقي، ويجب أن تواجه بالإصغاء والحوار والجدال والنقاش والاختلاف والمناورة الإيجابية والنقد المتواصل والتحامل والتكامل، ولنا ألّا نكتفي بما يتيسر حالياً من ضوء عبر الشاشات السورية المتنوعة والمتعددة، بل بات إحداث فضائية متخصصة بالثقافة أمراً لتحقيق الإصغاء والحوار والنقد لأجل البناء. أمّا القاصة مروى ملحم الحائزة هذا العام جائزة الشارقة عن مجموعة قصصية، فهي من جيل الشباب الذي يفترض أن تتوجه الفضائية لجيلها كشريحة أساسية، فضرورة الفضائية من وجهة نظرها تنطلق من «فصل الثقافة الحقيقية والمثقفين عن زحمة مواقع التواصل والفوضى الحاصلة في الوسط الثقافي وتسليط الضوء على الإنجازات التي تستحق والتي تعكس الصورة الثقافية للزمن الراهن».
مناخ للعدالة والتقدم
وعن الاقتراحات يرى الشاعر بغدادي أن تكون برامج الفضائية «منفتحة على الثقافة العالمية وشاملة معظم العناصر الثقافية، فمع الأخبار المحلية والعالمية كما في الدراسات النقدية والتحليلية للفنون الأدبية جميعها، وللسينما والرسم والنحت والمسرح وغيرها. مع التذكير دوماً بأهمية الثقافة كمناخ للبشر أجمعين حين يخدم مبادئ الحرية والعدالة والتقدم». ويقترح زين الدين أن تأتي البرامج التي تسلط الضوء على نتاج المبدعين بألوان الإبداع كلها وبصورة عميقة وحرفية لا لغايات إعلامية لحظية، ونحن بحاجة ماسة لبرامج تقدم الكتب المهمة التي تطرحها المطابع إلى جمهور القراء؛ وهذا ما نشكو منه مثلاً في الهيئة العامة السورية للكتاب.. نحن نقدم أسبوعياً ما ﻻيقل عن أربعة كتب للكبار والصغار، ما عدا مجلاتنا المختلفة الشهرية والفصلية والسلاسل الخاصة بالأطفال والناشئة ولكن المواكبة الإعلامية تظل ناقصة؛ طبعاً الصحف الرئيسة في البلاد تتابع أعمالنا؛ وهناك بعض البرامج على فضائياتنا تحاول أن تواكب آخر إصداراتنا ولكنها عبثاً تفعل ذلك لأنها مشغولة بهموم أخرى ليست قليلة».
ويؤكد قلعه جي ضرورة التعريف بالقامات والرموز الإبداعية في سورية خاصة والوطن العربي عامة ثم العالم، وعرض كتب في موضوعات متنوعة ذات أهمية كبيرة بأسلوب شائق، والتعريف بتراثنا الثقافي، والتعريف بآخر المستجدات العالمية في الثقافة والفنون، وعرض مسرحيات سورية عالية القيمة، وقد كان هناك تقليد يصوّر التلفزيون عروض المسرح القومي ثم يعرضها.. لابد من عودة ذلك مع عروض أخرى خاصة غير تجارية. وفتح باب الحوار مع أهل الفكر والإبداع.


يختصر د.بطرس حديثه عن المقترحات بالقول: «تقديم كل ما يخدم الثقافة بوصفها: طريقة تفكير، ونمط حياة، ويترك للمشرفين على الفضائية حرية الاختيار، مع التركيز على الثقافة الوطنية».

تقول الشاعرة السمان «المهم عند طرح فكرة ثقافية أن تطرح بطريقة سلسة ذكية لطيفة خفيفة حيّة وحيوية، والمهم اعتماد محاور مثقّف فعلاً لا محاور أو محاورة تعتمد الورقة والإعداد المسبق للحلقة، المُحَاوِر قبل المُحَاوَر، لكي تصل لكل شرائح المتلقين دون عبء». وتقترح القاصة مروى أن تتبنى البرامج المقدمة «رؤية علمانية حضارية لسورية، إضافة لبرامج تعريفية بالأدباء والفنانين السوريين السابقين والمعاصرين، حيث إنني بعد حصولي على جائزة الشارقة وتعرفي بأسماء الفائزين في سنوات سابقة وجدت أنه لا يكاد يخلو عام من أسماء سورية تحصد جوائز عربية وعالمية وتقدم كتباً شعرية أو قصصية أو نقدية متميزة ومهمة ومضمونها أثمن بكثير من كل ما ينتشر لدينا من كتب ومجلات مليئة بالحشو والإعلانات والكتابات الأدبية المبتدئة، فهؤلاء هم وإبداعهم يمكن لبرامج هذه الفضائية أن تنصفهم وتفتخر بهم».
جسور الثقة
يؤكد الشاعر بغدادي أنه باستطاعة هذه الفضائية أن تساهم في جمع شمل المبدعين من كل البلاد حتى أولئك المبدعين الذين اضطروا إلى الهجرة ويرغبون في العودة. ويعتقد زين الدين أن الفضائية الثقافية يمكن لها أن تمد جسور الثقة بين المبدعين والمثقفين، وإن كانت مهمة تحتاج وقتاً، لكنه يربط ذلك بـ «جدية تلك الفضائية المقترحة، وحرفيتها، ومصداقيتها، ففي مجال الشعر مثلاً سيكون المطلوب منها أن تعمل بقلب نقي، بشفافية، فتستوعب الشعراء جميعاً، لا تقصي أحداً، ولا تستبعد شاعراً لأي سبب كان، ﻻ تقرب هذا لأنه مقرب من هذه الدائرة أو تلك حتى لو كان ضعيفاً من الجانب الفني، وﻻ تنأى بوجهها عن شاعر متميز فنياً لأنه مشاكس.. وما إلى ذلك».
وستساعد الفضائية في نظر قلعه جي ليس في لمِّ شمل المبدعين، بل وبشكل ما في عودة النازحين والمهاجرين منهم إلى الوطن. والأهم من ذلك أنها يمكن أن تتطور لتشكل شبكة تواصل بين المبدع والمبدع، وبين المبدع والجمهور، فتتطور الذائقة الجمالية وتنمو، ويتحقق وعي جماهيري جديد بالجمال والحق والسلام، بدلاً من ثقافة العنف والتكفير.

يشارك د. البطرس زملاءه بالدور البارز الذي قد تلعبه هذه الفضائية، نظراً لقلة البرامج الثقافية في محطاتنا وعدم قدرتها على جذب المتلقين. إذا توافرت الشروط اللازمة من فائدة ومتعة معرفية مع الحرص على التأكيد على المحتوى العقلاني الوطني، ونبذ الفئوية، ومواجهة الظلامية، والتأكيد على قيم المواطنة والعيش المشترك، ونشر ثقافة الاختلاف، والتأكيد على التنوع، وتقديم كل ذلك بشكل جذاب بعيداً عن النمطية، مع الاهتمام بمعدي البرامج والدقة في اختيارهم. كل ذلك يوفر للفضائية إمكانات النجاح. وإذ تتفاءل الشاعرة السمان بدور الفضائية لكنها تربط ذلك بـ «الحيّز الكافي من الحرية للتعبير، وبمساحة شاسعة لاحترام وجهة النظر، وبإمكانية الإصغاء الجيد للآخر والأهم الاستعداد الكامل للحوار مهما كان نوعه والخروج من بوتقة الإدانة المسبقة بتقصير أصابع الاتهام، فحتماً ستساهم بلمّ الشمل ورتق الهوّة بين جميع المثقفين».

وتعتقد القاصة مروى أن فضائية ثقافية تتسم بشكل أساس بالمصداقية والشفافية وبعيدة عن المحسوبيات لابد أن تكون ذات تأثير بالغ في لمِّ الشمل الثقافي وتوحيد الرؤية والغاية بعد الشتات الحاصل إثر الأزمة وهو ما يحتاجه كل ناشط ثقافي أن يكون له وجهة أو مصب يضع فيه إبداعه واثقاً أنه سيصل إلى الأيدي الصحيحة.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the يرونها ضرورة ملحة وتمدّ جسور الثقة.. مثقفون سوريون يتطلّعون لإحداث فضائية ثقافية on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.