سحر العولمة الثقافية ومخالبها!

يرصد عالم الاجتماع الفرنسي مارك أبيليس حركة عربة العولمة المنطلقة بسرعة قطار كهربائي من المركز إلى الأطراف، تحت شعار «نقود تصنع نقوداً» لتُراكم مقولاتها لمصلحة رأس المال في المقام الأول، بصرف النظر عن فكرة الدولة/ الوطن، أو عن طريق إطاحة الجغرافيا من الجذور بسطوة أسواق النقد. لن يجد ماركس مكاناً له في عربة «موت التاريخ»، إذ انمحت نظريته في وضح النهار أمام الواقع السحري للعولمة الذي قلّص الحدود والعوائق الجغرافية بفضل سيل التبادلات المتجاوزة للأوطان، والتحكّم عن بعد بالسلع والمعلومات والأفكار والبشر. هكذا يواجه مارك أبيليس أسئلة العولمة بأطروحة مضادة، وذلك بقصد تفكيك مفاهيمها وألغازها، وردم الفجوة بين المحلّي والمعولم، داعياً إلى أنثروبولوجيا منفتحة ونقدية على استعداد لأن تواجه بجلاء الاختلالات الجديدة للعالم. المنظرون الماركسيون الجدد وجدوا الوصفة المناسبة لمفهوم العولمة بأنها «المرحلة الأخيرة من الرأسمالية»، لكن آخرين ركزوا رؤيتهم على الأشكال الحديثة للتراكم أو على وجود «طبقة رأسمالية كونيّة» حيال كثافة السيولة وتسارع المبادلات. يتساءل مارك أبيليس: عولمة أم تدويل؟ ثم يجيب «ليس هناك نهاية للتاريخ» لعلها فترة مؤقتة، ولا بد من التكيّف لمواجهة خطر عولمة غير مراقبة تحمل سمات الليبرالية الجديدة. وسوف يجد المحتفلون بالآثار المفيدة للرأسمالية الكونية فرصة لاستثمار أشكال من الاستغلال الذي أصبح أكثر إتقاناً في سياق يكون فيه العمل الذهني في قلب إنتاج فائض القيمة، ونبذ مفاهيم «الرأسمالية العتيقة».
هذه التحولات الاقتصادية المتسارعة، وفقاً لما يراه الأنثروبولوجيون تعمل بجدّ على انهيار مفهوم الدولة، وفي أحسن الأحوال تتوقف فاعليتها على ما هو ثانوي، بتلاشي الحدود، ذلك أن الهجرات أنتجت أشكالاً جديدة من الثقافات المهجّنة في عالم جديد متحرّك لمصلحة «توطين النموذج» وتماشيه مع الرغبات المحليّة، وتالياً تقاسم التجربة رغم بعد المسافات، أو ما يمكن تسميته «تقصير الزمن وتضييق الفضاء». هذه التشاركية يمكن تعميمها على أنماط السلع أو على لعبة كرة قدم، أو حتى حرب في مكان ما. لا تتوقف فاعلية العولمة على الواجهة الاقتصادية فقط، هناك أيضاً، البعد الثقافي كأرضية أساسية لإشاعة رؤية تنكر أشكال الإثنية المركزية وتقوم على الاجتثاث الثقافي بتمثّل ثقافة المركز والتشجيع على الانجذاب نحو أنماط من الغذاء واللباس والموسيقا. لم يعد مدهشاً إذاً، أن تجد ماركة مشروبات غازية في أبعد قرية إفريقية، وعلى هذا الأساس فإن خطورة العولمة الثقافية أكثر تعقيداً مما تظهر عليه للوهلة الأولى، فهي جوهرياً تعمل على «نزع الوطنية وإعادة التوطين» عن طريق التهجين والتوليف وتجنيس ثقافة جديدة تتلاءم مع المنظور ما بعد الكولونيالي للثقافات المحلية.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the سحر العولمة الثقافية ومخالبها! on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.