من المعروف أن أكثر قضية دار حولها الجدل بين علماء الأسلوبية هي قضية العلاقة فيما بين الشعر واللغة وعلى وجه التحديد فيما يخص حدود التداخل بينهما وحدود التمايز على أن إثارة هذا الجدل عن الشعر بصفة خاصة دون غيره من الأنواع الأدبية إنما يرتد إلى النظر للشعر بوصفه أكثر الأنواع الأدبية تعبيراً عن خصائص الأدب وهي بالطبع خصائص فارقة له عن غيره من أنماط الكلام…
فإذا كانت الألفاظ في اللغة مجرد دوال وضعية اصطلاحية اتفاقية فإن قوانين النحو التي تدخل الألفاظ على أساسها في علاقات هي بدورها قوانين لا يمتلك المتكلم إزاءها إلا الخضوع.. وبالتالي هنا ما هو دور المتكلم وما مدى الحرية المتاحة له في صنع الكلام…
وإذا قمنا بالعودة إلى ما قاله الأوائل بهذا الخصوص فإننا نجد مثلاً أن الجرجاني قد جعل من قوانين النحو قوانين عامة تتحدد على أساسها العلاقات الممكنة والمحتملة بين الدوال اللغوية أي الألفاظ سواء كانت هذه الدوال أسماءا أو أفعالا أو حروفا، لكن هذه القوانين العامة لا تحصر العلاقات الفعلية التي يمكن أن يقيمها المتكلم بين ألفاظ اللغة التي لا حصر لها، وبالطبع يمكن لنا القول هنا وبطريقة معاصرة إن الجرجاني كان على وعي تام بالفارق بين اللغة والكلام ذلك الفارق الذي أرسى دعائمه فرديناند دي سوسير وطوره تشومسكي أثناء حديثه عن الفرق بين الكفاءة والأداء، على أن قوانين النحو ومعاني الألفاظ تمثل عند الجرجاني النظام اللغوي الثابت في الوعي الجمعي والذي تقوم اللغة على أساسه بوظيفتها الاتصالية أما الكلام فهو التحقق الفعلي لهذه القوانين في حدث كلامي بعينه..
ومن هذه التفرقة بين اللغة والكلام فإنه في الكلام الأدبي فقط والذي يأتي في مقدمته الشعر تتحقق للمتكلم أقصى درجات الحرية الممكنة داخل قوانين اللغة.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.