رغم التغير الرسمي لزي «الكاوبوي» الأمريكي مازالت شهية القتل وامتصاص الدماء تسري في عروقه.
من قبل كان «الكاوبوي» الأمريكي يقتل بشكل مباشر، أما في الزمن المعاصر فقد أصبح القتل يأتي عن طريق تجويع الشعوب من خلال محاصرتها وقطع كل إمكانيات التطور الحديث عنها وخاصة الشعوب التي ترأسها حكومات لا تسير في فلك سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يشكل الاقتصاد ورقة الضغط أو الابتزاز الأمريكي لكل دولة ترفض السياسة الخارجية التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ نشأتها، الأمر الذي يؤثر سلباً في هذه الدولة أو تلك، ويشكل في الوقت نفسه دافعاً قوياً لدى أمريكا لفرض المزيد من العقوبات التجارية والاقتصادية معاً.
ومنذ الحرب العالمية الثانية أصبحت العقوبات الاقتصادية سلاحاً وحشياً للولايات المتحدة تهدد به كل من لا يحقق مصالحها حتى أصبحت أكثر الدول استخداماً في العالم لسلاح العقوبات الاقتصادية وأكثرها مبادرةً لفرضه سواء من جانب واحد أو عبر الحشد الدولي لإقراره من خلال المنظمات الدولية ولاسيما الأمم المتحدة.
وفي هذا الصدد استعرض موقع»غلوبال ريسيرش» أبرز العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على بعض الدول ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
إيران التي تعود جذور القائمة الطويلة من العقوبات السياسية والاقتصادية الأمريكية المفروضة عليها إلى عام 1979 بذريعة «أزمة الرهائن»، ليعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر في تشرين الثاني 1979 حالة طوارئ تقضي بتجميد كل الأصول الإيرانية الخاضعة للولاية القضائية الأمريكية.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية على إيران في كانون الثاني 1984 بعد تفجير مقر المارينز في سواحل بيروت، حيث أضيفت إيران إلى قائمة الدول التي تساند حزب الله، ففرضت واشنطن حينها ضوابط قاسية على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج العسكري- المدني.
وشملت العقوبات في السنوات اللاحقة جملة من المجالات لاتزال جارية عليها حتى الآن، بما في ذلك التجارة والاستثمار والمعاملات المالية والممتلكات والنفط الخام والمشتقات النفطية.
كما منعت الولايات المتحدة عام 2008 المصارف الأمريكية من القيام بدور الوساطة في تحويل أموال من أو إلى إيران، واستهدف القانون الأمريكي لعام 2010 إمدادات الوقود الإيراني التي تعتمد على المنتجات المكررة، ونصّ على اتخاذ إجراءات ردٍ على المجموعات الأجنبية التي تستثمر في قطاع النفط الإيراني.
وشددت واشنطن عام 2011 عقوباتها على الأشخاص الذين يقدمون دعماً لتطوير القطاع النفطي الإيراني، فيما جمدت أرصدة مؤسسات مالية أجنبية تقيم علاقات تجارية مع البنك المركزي الإيراني في كانون الأول 2013.
وأفاد تقرير صدر عام 2005 بأن العقوبات الأمريكية لمنظمة الطيران المدني الدولي عرضت سلامة الطيران المدني في إيران للخطر لأنها منعت إيران من الحصول على قطع الغيار اللازمة لسلامة الطيران، وذكر تقرير «الايكاو» أن سلامة الطيران تؤثر في حياة الإنسان، ويعتبر الحفاظ عليها أمراً ضرورياً يجب أن يتعدى الخلافات السياسية باعتباره أحد حقوق الإنسان التي تتغنى بها الولايات المتحدة.
ووفقا لدراسة أجريت مؤخراً جاء فيها: بشكل عام كان الأثر الاقتصادي للعقوبات على إيران كبيراً، في حين كان تأثيرها السياسي ضئيلاً، لافتة إلى أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران تهدف إلى خنق الاقتصاد الإيراني، وستسبب سخطاً كبيراً تجاه الدول الغربية.
ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم تتفنن في أساليب العقوبات الاقتصادية الجائرة ومحاصرة الشعب الإيراني انتقاماً من إيران لمساندتها القضايا الدولية العادلة.
أما بالنسبة للسودان فقد استخدمت الولايات المتحدة أنواعاً عديدة من العقوبات من أجل الضغط على حكومة السودان بغرض تغيير خياراتها، وقد تنوعت العقوبات من حيث الدبلوماسية، حيث درجت الإدارة الأميركية على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الخرطوم مراراً عندما تصل الخلافات بين الحكومتين إلى مداها، وعندما تهدأ الأمور تكتفي بتعيين ممثل لها قي عاصمة قريبة من الخرطوم لمتابعة إجراءات الهجرة وغيرها.
وكانت العلاقات السياسية التي ينضوي تحتها كل أنواع المعاملات والمقاطعات الأخرى، ثم العلاقات المالية والتجارية والاقتصادية، فقد تم حرمان السودان من الاستفادة من المعونات وتمويلات الصناديق الدولية والتعامل مع الشركات الصناعية العالمية، ما أثر سلباً في كثير من الصناعات السودانية المحلية.
وحسب تقارير وزارة النقل والطرق والجسور فإن الخسائر المالية المترتبة علي فرض العقوبات القسرية علي قطاع النقل في مجملها بلغت أكثر من (1,501,068,660) دولاراً، تشمل شركة الخطوط الجوية السودانية التي كانت أكثر خسارة وتأثراً بالحصار بجانب هيئة سكة الحديد وشركة الخطوط البحرية وهيئة المواني البحرية، هذا بالإضافة إلى القطاعات الأخرى التي فقدت مبالغ مخصصة لتمويل الوحدات تزيد على (352,148,520) دولاراً، حيث بلغت الخسائر الناتجة من استئجار الطائرات بدلاً من امتلاكها حوالي (220) مليون دولار كما بلغت الخسائر الناتجة عن فرق الأسعار في الحصول على قطع الغيار أكثر من (100) مليون دولار، أما الخسائر الناتجة عن توقف التشغيل في عدد كبير من المحطات فقد تجاوزت (230) مليون دولار خلال فترة الحظر بإجمالي يفوق (550) مليون دولار خسائر فعلية بالإضافة إلى الخسائر الناتجة عن الفرص المفقودة وفق التطور المفترض فتقدر بأكثر من مليار وثمانمئة مليون دولار. ولكن بقيت العقوبات الاقتصادية هي الأكثر تأثيراً لأنها تمس المواطن السوداني مباشرة وتنهك قواه، فأثرت في البنى التحتية وخاصة عندما اجتمع معها الفساد في سياسات الحكومة الذي أدى بدوره إلى انتشار الفقر وتدني المستوى المعيشي، وغياب الرعاية الصحية، وانتشار الأمراض والأوبئة وتراجع المستوى التعليمي وتفشي البطالة بسبب الفساد الإداري.
وبالنسبة إلى ليبيا فقد نتج عن سوء العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة في فترة السبعينيات سلسلة من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة طوال فترة الثمانينيات على ليبيا.
ففي عام 1981 قضت وزارة الداخلية الأمريكية بعدم صلاحية جواز السفر الأمريكي للسفر إلى ليبيا، ووصل الأمر في عام 1982 إلى منع استيراد النفط الليبي وحظر التصدير إلى ليبيا.
وتبنت الولايات المتحدة هذه الإجراءات رداً على دعم ليبيا للمنظمات الفلسطينية، وتوسع نطاق العقوبات في عام 1986 ليشمل الحظر الشامل للاستيراد والتصدير والتعاقدات التجارية وكافة الأنشطة المرتبطة بالسفر إلى ليبيا، حيث نصت العقوبات الأولى على أن يُوقف جميع الأمريكيين والشركات الأمريكية أنشطتهم التجارية وتعاملاتهم مع ليبيا في الأول من شباط عام 1986، كما دعت الولايات المتحدة رعاياها إلى مغادرة الأراضي الليبية، باستثناء الصحفيين ومن يحملون تصاريح للعمل الإنساني.
وحول العقوبات الأمريكية على العراق فقد فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات صارمة، وكان لهذه العقوبات الظالمة نتائج وخيمة على الشعب قبل الحكومة وذلك استناداً إلى ذرائع وأكاذيب مختلفة، إذ تسببت في تدمير اقتصاد البلاد وتراجع المستوى الصحي والتعليمي، وأوجدت كارثة إنسانية حقيقية بسبب نقص الغذاء والدواء والمياه النظيفة على مدى أكثر من 12سنة، ما أدى إلى وفاة أكثر من نصف مليون طفل ومليون مواطن خلال عقد التسعينيات، وتوجت أمريكا عقوباتها الجائرة على شعب العراق بغزوها لأراضيه عام 2003 وتدمير مؤسساته وبنيته التحتية.
كما قدمت إدارة جورج دبليو بوش عدداً من الادعاءات الباطلة ضد العراق، بما في ذلك كذبة حصول العراق على اليورانيوم من النيجر وأن العراق «لديه أسلحة سرية في المختبرات والمرافق المعزولة في جميع أنحاء العراق»، ولم تثبت أياً من هذه الادعاءات.
وفيما يتعلق بسورية فقد فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية وحشية لمحاصرة سورية، في محاولة من واشنطن للنيل من صمودها وموقفها إزاء مخططات واشنطن في المنطقة العربية، وفي الحقيقة ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الاقتصاد السوري إلى عقوبات، فقد شهد هذا الاقتصاد في الماضي سلسلة من العقوبات الاقتصادية الأميركية شملت نسبة كبيرة من المنتجات الأمريكية والسلع التي تنتجها الدول الأخرى وتدخل فيها مكونات أمريكية تزيد نسبتها على 10% باستثناء المنتجات الغذائية والأدوية.
وتجددت هذه العقوبات منذ عام 2003 على إثر دعم سورية للمقاومة الفلسطينية ومناهضتها للمشروعات الصهيو- أمريكية.
إن شهية «الكاوبوي» الأمريكي لقتل الشعوب كانت ولا تزال مستمرة عن طريق فرض العقوبات عليها، وها هي واشنطن تلوح بالعقوبات على الصين وعلى روسيا وحتى على بعض حلفائها الأوروبيين الذين يختلفون عنها ببعض السياسات، لتكون العقوبات الأمريكية التي هي في الحقيقة إجراءات قسرية أحادية الجانب سلاحاً وحشياً حقيقياً ضد الشعوب على مستوى العالم.
Posted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.