«لا تضيّع الفرصة 5 ملايين ليرة في طريقها إليك»، «رابح السيارة قد يكون أنت بلا منازع»، «فرصتك الأخيرة للسكن في منزل أحلامك ضمن أرقى تجمع سكني»، «ساعات قليلة وقد تكون العشرة ملايين من نصيبك»، «مستقبلك قرارك.. حقق طموحك»، هذه عينة من الرسائل القصيرة التي تصل إلى هاتف صديقي «أبو أمل» ولا يعلم مُرسلوها أنه في هذه الأيام القاحلة بات مؤمناً أكثر بمقولة «الحياة في الحقيقة هي معركة، ليست بين الجيّد والسيِّئ، بل بين السيِّئ والأسوأ»، إذ وصل به الأمر بعد سنوات من انتظار تحسين الحال والأحوال، أن نأى بنفسه عن كل نوافذ الأمل، بأن أحضر بعض البلوكات وقليلاً من الإسمنت وأغلقها تماماً، إذ شَبِع وامتلأ سَمَعُه من التصريحات والخُطَبْ الطَّنانة الرَّنانة التي يتفنن أصحابُها في جعل الباب موارباً أمام زيادة الرواتب مثلاً، فبعضهم يقول: إنها قريبة، وآخرون: إنها مؤجَّلة قليلاً، وغيرهم يرى أنه من الأجدى زيادة فرص العمل.
وأيضاً لم يعد «أبو أمل» قادراً على متابعة الأخبار المحلية بعدما كان نهماً عليها، فهذا التقرير يقارن معيشة العائلة قبل الحرب وأثنائها، وذاك المقال يُبرِّر لبعض المسؤولين عدم دعم الموظفين في تحسين أحوالهم بعد أن يوصِّفهم بأنهم «رافعة الإنتاج الحقيقية الذين لم يتوقفوا يوماً عن أداء واجبهم»، وآخر يتضمَّن «مانشيت» بأن «الإصلاحات الاقتصادية المعيشية قادمة لا محالة»، وما علينا إلا انتظارها، لكنها ينبغي ألا تكون مترافقة مع زيادة الإثراء للتُّجار، وأن الموظفين سيشعرون بها حالما تَتِمّ، وغير ذلك مما بات يُعكِّر صفو صديقي لدرجة أن رغبته ازدادت لتغيير اسمه، ولاسيما أنه لا الخمسة ملايين ولا العشرة ملايين ولا السُّكنى في منتجع الأحلام ولا ركوب سيارة فارهة هي ما يُفكِّر به وينتظره، بل كل ما يريده هو ألا يضطر للهرب من دائنيه، وألا يبحث عن دائن آخر بعد العاشر من كل شهر، وأن يعود فينظر في عيني ابنته «أمل» نظرته السابقة المملوءة بالقوة والحب.
Posted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.