ليبيا بين تباين مطامع الدول الغربية ورغبة شعبها في حياة آمنة

إنها المطامع ذاتها للدول الأوروبية على دول منطقة الشرق الأوسط ومنها ليبيا، فالمطامع قديمة جديدة في كل مرة يبرز فيها لاعبون جدد، بينما يبقى اللاعب الأبرز هو الإيطالي الذي يحلم بالسيطرة على ليبيا، والأغرب من ذلك يعدّها امتداداً له.
لماذا الصراع على ليبيا؟
قد يكون ظهور النفط على الأراضي الليبية عاملاً اقتصادياً مهماً، لكن موقع ليبيا ضمن الوطن العربي جعلها عرضة للهزات، إن ليبيا هي الجسر الواصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه، لأن مصر في الأساس علاقاتها مع المشرق العربي أكثر من علاقاتها مع مغربه، وإن تحطيم هذا الجسر يعني انقطاع التواصل العربي أو عرقلته بين المشرق والمغرب.
وإذا ما استعرضنا نموذجين غربيين في الصراع على ليبيا وهو إيطاليا وفرنسا يمكن أن نلتمس الحقيقة، هذا ما أشار إليه موقع «الدراسات الاستراتيجية العالمي» في مقال تحليلي حول الدور الإيطالي والفرنسي في ليبيا جاء فيه:
يبدأ تاريخ الاستعمار الإيطالي لليبيا بدايات القرن الماضي وتحديداً في عام 1911 عندما قصف الأسطول الإيطالي مدينة طرابلس التي كانت خاضعة للحكم العثماني، ثم توالى قصف المدن الليبية من قبل القوات الإيطالية، وعلى إثر ذلك وقّع الجنرال كانيفا قائد الحملة ضد ليبيا على منشور، ورد فيه أنّه «مفوض من قبل حكومته بتصفية سيطرة الأتراك في طرابلس وبرقة» ما أدى إلى دخول القوات الإيطالية إلى بنغازي، وتوالى احتلال الإيطاليين للمدن الساحلية الرئيسة، متضمناً إبعاد أكثر من خمسة آلاف ليبي قسراً من ديارهم إلى الجزر الإيطالية، بينما اكتفت السلطات العثمانية بإصدار «فرمان سلطاني» جاء فيه: «إن حكومتنا العالية عاجزة عن تأمين الحماية لكم، إلا أنّها مهتمة بازدهاركم في الحاضر والمستقبل، ورغبة منها في تجنّب مواصلة الحرب التي تحمل الهلاك لكم ولأسركم والخطر على الدّولة، وحرصاً منها على السّلام والرّفاهية في بلادكم، فإنّنا نعطيكم الاستقلال الكامل والشّامل، وستحكم بلادكم وفقاً لقوانين جديدة ومن طرف هيئة خاصّـة، وبمشاركة من سكّـان البلاد أنفسهم سيتم تشكيل نظام جديد للإدارة يتّـفق ومتطلبات الأهالي وعاداتهم، وبما أن القانون عندكم سيبقى معتمداً على الشّريعة فسأواصل تعيين القضاة الذين يختارون نوابهم من بين علماء البلاد» بينما وقع فيكتور عمانويل الثالث ملك إيطاليا منشورا إلى سكان طرابلس وبرقة بأن طرابلس وبرقة أصبحتا خاضعتين خضوعاً مطلقاً للسيادة الإيطالية، وصدر عفو عن أهالي طرابلس وبرقة ممن شاركوا في الأعمال الحربية أو نشاطات سياسية، وتم إعلان حرية الشّعائر الدينية الإسلامية، والسماح بذكر اسم السلطان خليفة للمسلمين في الصلوات العامة، وضمان حصانة الممتلكات الدينية (الأوقاف)، وإدارة ملكية يتم تشكيل لجنة تعين من أبناء البلاد لتنظيم الجهاز المدني والإداري على أساس من المبادئ الليبرالية، وبعدها أصدر السلطان العثماني فرماناً ثانياً سلّم فيه ليبيا إلى الإيطاليين ثم وقّع اتفاقية سلام في لوزان بينه وبين إيطاليا.
وكانت المفاجأة باعتراف كل من فرنسا والنمسا وإنكلترا وألمانيا بضم إيطاليا للممتلكات التركية في الشمال الإفريقي أي ليبيا، وفي أعقاب هزيمة القوات الإيطالية والألمانية (المحور) في معركة «العلمين» بقيادة رومل استعادت ليبيا شيئاً من حريتها.
وبعد تفجر الوضع في ليبيا والقضاء على سلطة القذافي، بدأت إيطاليا بالتحرك باتجاه ليبيا بمباركة أمريكية وخاصة بعد زيارة وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي إلى واشنطن، وبدأت بإرسال تعزيزات عسكرية إلى ليبيا إثر موافقة البرلمان الإيطالي، على زيادة عدد القوات العسكرية الإيطالية في ليبيا، في إطار «إعادة صياغة التزامها العسكري في مناطق الأزمات الأقرب جغرافياً إليها والتي لها آثار مباشرة أكثر على المصالح الاستراتيجية للبلاد».
هذه المساعي الإيطالية، لئن زعمت روما أن الغرض منها إيجاد حل للأزمة الليبية، فإن عدداً من المراقبين يرون عكس ذلك، مؤكدين أن الهدف الحقيقي هو بحث إيطالي عن نفوذ فقدته في المنطقة، وضمان موطئ قدم لها في ليبيا في شمال إفريقيا عموماً.
وتعد روما، ليبيا منطقة نفوذ لها، فجغرافياً لا تفصلها عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخياً كانت ليبيا أهم مستعمراتها في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن ذلك تعد إيطاليا ليبيا فرصة ورمزاً لإحياء الأمجاد التاريخية للإمبراطورية الرومانية في جنوب المتوسط.. وإيطاليا تسعى لاستغلال الأزمة الليبية لإعادة تموضعها الجيوسياسي وتعزيز علاقاتها مع الجوار المتوسطي، فترى أن الحل الرئيس للأزمة الأمنية والاقتصادية الإيطالية يكمن في التوجه نحو الضفة الجنوبية للمتوسط.
أما فرنسا فقد وجدت في ليبيا فرصة كبيرة للاستثمارات وخاصة بعد اكتشاف النفط فيها، متخذة من محاذاة مستعمراتها السابقة لجنوب الحدود الليبية مثل تشاد والنيجر، حجة لهذا التدخل.
إن من ضمن العوامل التي جعلت الجنوب الليبي في بؤرة الاهتمام الفرنسي هو ارتباطه بما تعدّه فرنسا أيضاً إحدى مناطق نفوذها الرئيسة في القارة السمراء، وهي دولة مالي، ويرجح أن تستثمر فرنسا ورقة الجنوب الليبي لإنهاء الحرب بما يضمن مصالحها، ذلك أن الأطراف الدولية لن تقبل باستمرار الحرب بشكل يرفع احتمالية خروج الأمور عن السيطرة ما قد يخل بالتوازنات الدولية والإقليمية ويعرقل ضخ النفط.. وتالياً إذا ما نجحت فرنسا فهي تمني النفس بإرغام الأطراف الدولية كبريطانيا والولايات المتحدة على القبول بشروطها.
لقد خضعت ليبيا ما بعد القذافي لسلسلة من التجاذبات، ولتباين الدول الغربية لتحقيق مطامعها في ليبيا بدءاً من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، لكن أبرز مظاهر هذا التصادم في المصالح تجلى في المصالح الإيطالية – الفرنسية، ما أدى إلى حدوث نزاع بينهما حول ليبيا تجاوز كونه مجرد تمظهر لتباين وجهات النظر بين الطرفين، وإنما تُجسِّد تاريخاً ملتهباً من الصراع على النفوذ في ليبيا، فإيطاليا ترى في نفسها الأقرب لإدارة الملف بحكم قربها من السواحل الليبية، إضافة إلى معضلة الهجرة غير الشرعية التي تثقل كاهلها. وفي المقابل، تُعوِّل باريس على علاقاتها التاريخية مع بعض الأطراف الليبية، وخصوصاً في الجنوب، والذي يعد بوابة الهجرة القادمة من جنوب الصحراء الأفريقية، ومنطقة التماس مع مناطق نفوذها في النيجر ومالي.
ووفق الأكاديمي والباحث الليبي فرج دردور فإن «كل طرف يحمل في جعبته لائحة لا تنتهي من الأسباب الخاصة التي يشرعن بها حقه في إدارة الملف الليبي.. وبذلك، تتجلى بوضوح معالم سباق محموم تغيب ملامحه أحياناً تحت مسمّيات وأقنعة مختلفة، لتعود وتظهر حين تشتد وطأة الأطماع، وتختنق الخيارات تحت ثقل تحركات المنافس».

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the ليبيا بين تباين مطامع الدول الغربية ورغبة شعبها في حياة آمنة on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.