ثورة أون لاين:
الاجتماع المهم الذي عقد منذ بضعة أيّام في طرطوس بحضور الوفد الحكومي حول زراعة الزيتون أظهر مدى حرص الدولة ومدى إصرارها ليس على عدم السماح بتراجع هذه الزراعة وحسب
إنما على تطويرها من كافة الجوانب في ضوء ما تعرضت وتتعرض له من أمراض وخيبات متلاحقة تهددها بالأسوأ إذا بقي واقعها على ما هو عليه بدءاً من الغراس والمشاتل والأرض وليس انتهاء بتسويق المنتج داخلياً وخارجياً.
100 مليون شجرة
وحرص الدولة عبر الحكومة على قطاع الزيتون وزيت الزيتون لم يأت من فراغ فشجرة الزيتون شجرة مقدسة وبلدنا من أوائل الدول التي تشتهر بزراعتها وإنتاجها واستهلاكها وتعتبر سورية الموطن الأصلي لها حيث عرفت زراعتها منذ أكثر من ستة آلاف سنة وهي الآن تساهم مساهمة جيدة في الاقتصاد الوطني وتشكّل مصدر رزق لآلاف الأسر السورية حيث وصل عدد أشجار الزيتون لأكثر من مئة مليون شجرة منها 84 مليون مثمرة تمتد على مساحة 650 ألف هكتار ويشتغل فيها نحو 20% من حجم القوى العاملة وتشكل مصدر رزق لأكثر من خمسمئة ألف أسرة سورية كما وصلت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 3,5 % وقد احتلت سورية المرتبة الخامسة عالمياً في انتاج الزيتون والرابعة في انتاج زيت الزيتون في الأعوام التي سبقت الحرب على سورية حيث وصل الإنتاج لنحو 1,2 مليون طن من ثمار الزيتون ونحو 165 ألف طن زيت زيتون.
لكن رغم ما تقدم بقيت هذه الزراعة تقليدية ولم تشهد طرقاً حديثة للعناية بها وتحسين أصنافها وزيادة جودة زيتها وبقي الفلاح يعيش الكثير من الصعوبات والمعاناة بسبب زيادة تكاليف مستلزمات الإنتاج والمعاومة وسوء التخزين وقلة الطرق الزراعية وعدم تصريف وتسويق المحصول بشكل جيد..الخ وهذا العام زادت المعاناة والخسائر بسبب الأمراض والأضرار التي تعرض لها الموسم في عدة محافظات ومنها طرطوس واللاذقية حيث كان الإنتاج ضعيفاً جداً.. ومن هذا المنطلق وغيره جاء الاجتماع الذي أشرنا إليه.. فماذا عن هذا الاجتماع؟ وما أهم النتائج التي خلص إليها؟
من الأسفل للأعلى
بداية نشير إلى أن الاجتماع خصص لبحث واقع زراعة الزيتون فقط وهذا أعطى دليلاً على الحرص والاهتمام بهذه الزراعة وتطويرها، ولم يقتصر على مديري الجهات الرسمية المعنية كما هي العادة إنما دعي اليه وحضره بعض الفلاحين المنتجين وبعض أصحاب المعاصر وبعض مصدري الزيت إضافة لرئيس اتحاد الفلاحين ورئيس مجلس الزيتون وزيت الزيتون ومدير الزراعة وعضو المكتب التنفيذي المختص.. كما أن الطروحات خلاله كانت واقعية وجريئة بعيدة عن الإنشاء والتملق والنفاق وتؤسس لإمكانية تطوير واقع هذه الزراعة من جوانب مختلفة وصولاً لزراعة زيتون مثالية كما وصفها رئيس مجلس الوزراء الذي طلب من الحضور طرح أفكارهم ومقترحاتهم حول مشكلات هذه الزراعة من المشاتل والغراس والأصناف مروراً بتكاليف الإنتاج والقطاف والنقل والعصر وانتهاء بالتسويق الداخلي وتصدير الفائض للخارج فالحكومة تريد وضع خطة للتطوير من الأدنى للأعلى وليس من الأعلى للأدنى وبعيداً عن الإختباء وراء الحرب.
من الحقل الى المائدة
أول المتحدثين كان رجل الأعمال مهران خوندة صاحب عدة معاصر حديثة وصاحب الباع الطويل في هذه الزراعة وأيضاً صاحب الشعار الجديد (من الحقل إلى المائدة) وخلال حديثة وصف صناعة الزيت في الوقت الحاضر بالكارثة وقال سأعمل بكل إمكاناتي الكبيرة على تطبيق هذا الشعار بالتعاون مع الفلاحين والمعنيين عبر القطاف المناسب والنقل الصحيح بالصناديق المهوية من الحقل إلى المعصرة وليس بأكياس النايلون والخيش وغيرها، وعبر عصر الثمار في نفس يوم القطاف في معاصر حديثة جداً تم استيراد خطوطها الإنتاجية والتي سيتم العمل على تسويقها لكافة المعاصر بالتشاركية معهم أو بأقساط أو قروض ميسرة لهم، وعبر تخزين الزيت بعبوات صحية أو شرائه من الذين يريدون البيع أو تصديره.. وأكد أنه سيقوم بحملات إعلانية بالتعاون مع كل الجهات لإنجاح هذا الشعار.
مجلس الزيتون
أما سامي الخطيب رئيس مجلس الزيتون وزيت الزيتون وصاحب شركة الخطيب لتعبئة وتصدير الزيت فقد استفاض في الحديث عن مشكلات زراعة الزيتون الكثيرة محملاً وزارة الزراعة وأجهزتها مسؤولية الخلل الحاصل في هذه الزراعة حيث كان همهم زراعة كم كبير من الغراس بغض النظر عن مقاومتها للأمراض وإنتاجيتها وبغض النظر عن الدراسات من قبل البحوث الزراعية العلمية بخصوصها وقال إن دور الوحدات الإرشادية شبه معدوم بسبب ضعف إمكاناتها الآلية وعدم تأهيل مهندسيها وفنييها وسوء العلاقة وضعف الثقة بينهم وبين الفلاح مضيفا أن الوزارة لم تستجب لما سبق وتم طرحه حول الأمراض التي تتعرض لها الشجرة وحول واقع هذه الزراعة وتعتبر أن الموضوع شخصي.. وأكد أن قطاع الزيتون يعاني من الغش ومخابر التموين سيئة وغير قادرة على إثبات الغش الذي يتم إثباته في مخبر آخر.. وتحدث عن الفرص التجارية بيننا وبين روسيا وعدم قيام الاتحادات المعنية بدورها الصحيح والتواصل مع أعضائها وترك تلك الفرص للسماسرة كما تحدث عن زيادة تكاليف الإنتاج بما فيها الرسوم على التصدير في المرفأ وغيره ما أثر ويؤثر على التصدير والمنافسة في الخارج.. وحذّر من نجاح المحاولات الجارية لنقل إنتاج المنطقتين الشرقية والشمالية من زيت الزيتون إلى تركيا بلا رسوم.
معاناة الفلاحين
وطرح أحد الفلاحين عدة نقاط مهمة من واقع معاناته فطالب بأن يضم كل مشتل زراعي لجنة متخصصة مهمتها تحديد نوع وصنف الغراس المقبولة لكل منطقة وأكد ضرورة أن توفّر الدولة الغراس الكافية والسليمة والأدوية الزراعية والآلات والأسمدة بأسعار مناسبة.. كما عرض الفلاح نجم الدين دالي من ريف الدريكيش أحد أغصان الزيتون الذي أصابته حبات البرد هذا العام مع نسبة كبيرة من الأشجار ما تسبب بالقضاء على الموسم الحالي وبوقوع أفدح الأضرار بالفلاحين وجعلهم في وضع يرثى له.. وتحدث عن ارتفاع تكاليف الإنتاج وغلاء المعيشة وزيادة فوائد القروض الزراعية ووصولها مع الغرامات لأضعاف رأس مال القرض.. فيما تحدث فلاح ثالث عن ضرورة إيلاء الطرق الزراعية الاهتمام اللازم وزيادة أطوالها ضمن الأراضي الزراعية لأنها عنصر مهم جداً في تحسين واقع الأراضي وفي زيادة الإنتاج وتخفيف التكاليف.
أصحاب المعاصر
نبراس رمضان صاحب معصرة زيتون أكد ضرورة قيام الفلاحين بمتابعة وإشراف الوحدات الإرشادية بوضع مصائد للوقاية من ذبابة ثمار الزيتون وتطبيق نظام المكافحة الإجبارية عند انتشار الذبابة وعند الإصابة بمرض عين الطاووس.. وأشار إلى المشكلات التي تعاني منها المعاصر بسبب تدهور زراعة الزيتون مطالباً بوضع ضريبة دخل مقطوع عليهم.
اتحاد الفلاحين
طالب مضر أسعد رئيس اتحاد فلاحي طرطوس بالتعويض على الفلاحين نتيجة الأضرار الجسيمة التي لحقت بهم هذا الموسم بعد تساقط أكثر من نصف الثمار تحت الأشجار بسبب العوامل الجوية وذبابة الثمار مؤكداً أن الأشجار التي أصابها البرد لن تعود للإنتاج قبل خمس سنوات.. واقترح تخفيف تكاليف الإنتاج وإلزام المعاصر بتحديث معاصرها وبتأمين صناديق كافية لنقل الثمار من الحقول مباشرة اليها بعيداً عن الطرق الحالية التي تؤثّر على نوعية الزيت.. والعمل بتعاون الجميع لنشر ثقافة العناية والاهتمام بشجرة الزيتون.
بدوره مدير الزراعة أوضح أن انتشار الذبابة كان بسبب الطقس مؤكداً من التزم بالنصائح الإرشادية استفاد ولم يتضرر كثيراً وشرح الإجراءات التي قامت وتقوم بها الزراعة للتخلص من مرض عين الطاووس وتفعيل أداء الوحدات الإرشادية البالغ عددها مائة وحدة مؤكداً أن الزراعة سوف تتبنى كافة الأفكار التي من شأن تنفيذها تطوير هذه الزراعة.
تشكيل فريق عمل
وبعد أن تحدث المحافظ وأعضاء الوفد الوزاري مجيبين على بعض النقاط ومبدين بعض الملاحظات على الواقع القائم تقرر تشكيل فريق عمل من طرطوس يضم ثلاثة من الفلاحين وأصحاب المعاصر واثنين من مصدري الزيت ورئيس مجلس الزيتون وزيت الزيتون ومدير الزراعة ورئيس اتحاد الفلاحين مهمته دراسة واقع قطاع الزيتون في المحافظة بدءاً من الغراس والمشاتل مروراً بالزراعة والإنتاج والقطاف والإرشاد الزراعي والعصر والتخليل وليس انتهاء بحفظ الزيت وتسويقه داخلياً وتصدير فائضة للخارج وطلب خميس من الفريق أن ينجز عمله خلال فترة أقصاها نهاية الشهر الجاري وأن يرفع (مذكرة خطية) لرئاسة مجلس الوزراء عن طريق المحافظة متضمنة مقترحاته لتطوير هذه الزراعة مع الآلية التنفيذية لكل مقترح والآليات التنفيذية للخطة بشكل عام.
وتم الوعد بأن تدرس الحكومة هذه (المذكرة) مع مقترحات أخرى ستردها من محافظات أخرى منتجة للزيتون ومن وزارة الزراعة ووزارة الاقتصاد وأن يتم في ضوء الدراسة إقرار خطة متكاملة في مجلس الوزراء قبل العاشر من الشهر القادم لتطوير هذا القطاع -مع القرارات اللازمة الملزمة لكل الجهات- الذي يعيش الفوضى والكثير من المشكلات التي تمنع زيادة الإنتاج وتحسين النوعية والتسويق والتصدير وذلك بالشكل الذي يعود بالخير على الفلاح والاقتصاد الوطني ولا ينعكس سلباً على المستهلك السوري.
يذكر أن طرطوس التي أنتجت العام الماضي بحدود /190/ ألف طن ثمار زيتون لا تنتج هذا العام أكثر من ثلاثين ألف طن وقد لحقت بالفلاحين أضراراً كبيرة وخسائر جسيمة.
أخيراً
نعتقد أن نجاح هذا الفريق في مهمته ومن ثم نجاح الحكومة في وضع وإقرار خطة متكاملة مع آليات تنفيذية جادة وبرنامج زمني محدد من شأنه إنقاذ واقع هذا القطاع المهم وتطويره بشكل متميز يعود بالخير على الفلاحين والاقتصاد الوطني والوطن بشكل عام.
هيثم يحيى محمد
Posted from Thawraonline.sy
Note: Only a member of this blog may post a comment.