ثورة أون لاين:
تشكل الإعاقة واحدة من أهم القضايا الحياتية التي تهتم بها الدول والمنظمات الدولية والمحلية لما لها من حضور واضح في كل المجتمعات، وحتى لا يكون الأشخاص ذوو الإعاقة خارج إطار المشاركة في الحياة، حيث تتضافر الجهود لدعم هذه الشريحة وتقديم ما يلزم لها لضمان حقوقها وبناء قدراتها وتأهيلها لتكون من الشرائح المنتجة والفاعلة في المجتمع بهذه النسبة أو تلك..
وقد أقرت منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1992 يوماً للإعاقة يتم الاحتفال به وهو يصادف في الثالث من كانون الأول من كل عام بحيث يتم فيه التركيز على مفهوم الإعاقة وزيادة التوعية بحقوق المعوق واحتياجاته المجتمعية والمعيشية..
وفي سورية كفل الدستور كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة وصنف في المادة الثانية والعشرين منه ذوي الإعاقة بأنهم من أكثر فئات المجتمع هشاشة، وصدرت المواثيق الوطنية المنظمة لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، كالمراسيم والتشريعات والقوانين التي تعالج قضايا هذه الشريحة من المجتمع، وأهمها قانون المعوقين رقم 34 لعام 2004 والمعدل بالمرسوم التشريعي رقم 46 لعام 2009، إلى جانب القرارات والتعاميم المتضمنة منح مزايا وخدمات صحية وتعليمية ولوجستية وتخصيصهم بنسبة من وظائف القطاعين العام والخاص والمنح الجامعية والمنح والإعانات السنوية، إلى جانب لحظ شروط ومعايير ومواصفات هندسية يجب توفرها في المباني والمرافق العامة الجديدة تتناسب مع حاجة المعوقين والحركة على الأرصفة والطرق وغيرها...
مزايا وخدمات
وقد ضمنت القوانين والتشريعات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة طيفا واسعا من المزايا أهمها التوظيف المباشر بنسبة 4% من إجمالي العاملين في القطاع العام، و2% من العاملين في القطاع الخاص، والتسجيل الإلزامي في التأمينات الاجتماعية، إلى جانب السماح للشخص ذي الإعاقة باقتناء سيارة سياحية واحدة معدلة حسب نوع إعاقته، وصرف معونات للأطفال المصابين بالشلل الدماغي، وإنشاء معاهد تخصصية حكومية والترخيص لمعاهد خاصة وتابعة للجمعيات مع إشهار جمعيات متخصصة بشؤون الإعاقة، وفي هذا تشير مصادر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى أنه تم إحداث 37 معهداً، منها 26 معهدا قيد العمل بشكل كلي أو جزئي أو من خلال مقر بديل، و متوقفة بسبب ظروف الحرب العدوانية على سورية.
تخفيضات وإعفاءات ومنح دراسية
أيضاً شملت المزايا إعفاءات من رسوم الجهات العامة، ورسم دخول الأماكن العامة والأثرية، ومنح المعوق ومرافقه تخفيضاً بنسبة 50% على أجور وسائل النقل الداخلية والخطوط الحديدية والبحرية والجوية، وكذلك يعفى المعوق من قيمة المعالجة في المشافي العامة وتقدم له كافة الخدمات الوقائية والتشخيصية والعلاجية المتوافرة لدى كافة المشافي التعليمية مجاناً، وكذلك تقدم له خدمات مجانية أو بقيمة رمزية في المراكز الصحية التابعة للجمعيات والمؤسسات الخاصة المشهرة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتخصيص المعوقين بنسبة 1% من منح الجامعات الخاصة المقدمة لوزارة التعليم العالي سنوياً في جميع الكليات والاختصاصات، وتخصيص 5 مقاعد في الجامعات الحكومية، هذا إلى جانب منح شهادات التأهيل المهني للمعوقين.
تأهيل ودمج بالمجتمع
ويحظى المعوق باهتمام ومتابعة لمستلزماته وحاجاته من قبل الجهات الحكومية عبر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في إطار منظومة الحماية الاجتماعية، حيث تم اعتماد نظام إدارة الحالة الفردية التي تسمح بتأمين الرعاية والتأهيل والتمكين والإدماج المجتمعي على أساس أنهم أفراد من مختلف القدرات ويتمتعون بكامل حقوقهم وتوجد لهم متطلبات خاصة لا بد من الاستجابة لها، إلى جانب برنامج المواءمة والدمج المجتمعي الذي تتم متابعته من خلال تهيئة المرافق العامة من مدارس وحدائق وغيرها لتكون ملائمة لاحتياجات ذوي الإعاقة، بالتزامن مع تهيئة أفراد المجتمع من خلال حملات توعية تساعد في بيان أهمية الاستفادة من طاقات هذه الفئة من المجتمع في التنمية وبيان طرق تجنب حصول الإعاقة وأهمية الكشف المبكر.
تصنيف جديد للإعاقة
ومنذ عام تقريباً تم إصدار التصنيف الوطني الجديد للإعاقة والدليل التوضيحي، والذي تم تطويره ليصبح أكثر قدرة على التعريف بالشخص المعوق بعد أن شمل المزيد من الحالات التي كانت تلتبس على اللجان المختصة بهذا الشأن، حيث راعى تأطير الحالات بشكل أكثر واقعية من خلال توضيحه للعديد من الحالات التي تلتبس على اللجان الفرعية في المحافظات أثناء تطبيق التصنيف قبل تعديله، من خلال تعريف الشخص ذي الإعاقة بأنه كل شخص لديه حالة صحية تسبب ضعفاً جسدياً أو عقلياً أو نفسياً أو حسياً وغير قابل للعكس أو التدبير بالتدخلات والإجراءات الطبية في مختلف أنواعها على أن تعوق هذه الحالة الصحية استقلاليته الشخصية ومساهمته الاجتماعية، وقد تضمن التصنيف الجديد مزايا عدة لجهة توسيع الشريحة المستفيدة من الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة، جاء الدليل العلمي ليوضح آليات استخدام التصنيف وتدريب اللجان الطبية عليه لجهة توحيد معايير القياس في مختلف اللجان في المحافظات إضافة إلى اعتماد المفهوم الجديد عالمياً للإعاقة لجهة تقييم عواقب المرض، بحيث يكون معيار وجود الإعاقة هو الأداء الوظيفي لدى الشخص.
بالتزامن مع هذا وضعت وزارة الصحة النظام المبكر للكشف عن الإعاقات للتخفيف من حدة وعدد الإصابات، حيث يطبق في المشافي والمراكز الصحية.
إلى جانب ذلك يجري تأمين المعينات الحركية ومعينات السمع وخدمات المكفوفين مع خدمات التأهيل المهني لدمج الإعاقات في مجتمعاتهم مع تقليص دور المؤسسات الإيوائية والاقتصار في خدماتها على ذوي الإعاقة مجهولي النسب وفاقدي الرعاية الأسرية أو للأشخاص المسنين والعجزة من فاقدي الرعاية الأسرية.
رغم ظروف الحرب
وتوضح مؤشرات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل استمرار تقديم الخدمات والرعاية لهذه الشريحة من المجتمع رغم ظروف الحرب العدوانية على سورية منذ ثماني سنوات، حيث استمر منح مبلغ الإعانة المالية السنوية للأسر التي لديها شلل دماغي، وقد استفادت 27731 أسرة من هذه الإعانة خلال عام 2017، وفي هذا العام جرى رفع قيمة المعونة المخصصة للشلل الدماغي بنسبة 40%.
ومنذ عام 2005 لم يتوقف منح بطاقات الإعاقة التي يحصل ذوو الإعاقة بموجبها على مزايا تساعدهم في تحسين معيشتهم واندماجهم في المجتمع وتقليص الفجوة في فرص حصولهم على حياة طبيعية مع توفير الخدمات اللازمة حسب إعاقتهم، حيث تم حتى عام 2017 توثيق منح ما يزيد عن 200 ألف بطاقة إعاقة.
هذا إلى جانب تأمين منح مالية للطلاب ذوي الإعاقة بقيمة 50 ألف ليرة لكل طالب تم قبوله في الجامعات أو المعاهد التعليمية وفق مفاضلة ذوي الإعاقة، مع توفير الكتب الجامعية بشكل مجاني وحسومات في التسجيل بالجامعات.
والعمل على تطبيق المنهاج التدريسي الخاص بذوي الإعاقة الذهنية لضمان تطوير التنمية الفكرية، وتوفير مناهج شاملة للتأهيل المهني والفكري وإعادة التأهيل وتعزيزها وتوسيع نطاقها، وتوفير التعليم الفردي للأشخاص الذين يعانون من تأخر في النمو العقلي وصعوبات تعليمية، ومتابعة التنسيق مع وزارة التربية لنشر خدمات التعليم ضمن المدارس الدامجة التي يزيد عددها على 160 مدرسة ما يزال يعمل منها 125 مدرسة بعد أن تسببت الحرب العدوانية على سورية بخروج قسم منها عن الخدمة.
استمرار التنسيق
ولم يتوقف التنسيق بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة في متابعة أتمتة قاعدة بيانات شاملة للإعاقة تتضمن السجل الصحي وبيانات الأشخاص ذوي الإعاقة والخدمات المتوفرة من مؤسسات وموارد بشرية ومقدمي خدمة، وكذلك استمر توزيع التجهيزات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة من كراسي عجلات وعكازات وغيرها وتأمين التأهيل الفيزيائي اللازم، والتوسع في تأمين الأطراف الصناعية والمعينات الحركية خاصة بعد ارتفاع حالات فقدان الأطراف والإصابات والإعاقات التي تسببت بها الحرب العدوانية على سورية.
جمعيات أهلية وتوعية أسرية
وفي إطار دعم مساهمة المجتمع الأهلي في رعاية هذه الشريحة من المجتمع تم إشهار حوالي 100 جمعية ومؤسسة غير حكومية تهدف لتقديم خدمات للأفراد المعوقين تتضمن الرعاية والتمكين وتوفير فرص عمل وإحداث مراكز نوعية للتأهيل المهني ومراكز تصنيع معينات حركية للإعاقة، والدعم النفسي والاجتماعي للمستفيدين من الخدمات الاجتماعية التي تقدمها مؤسسات الرعاية والجمعيات والمدارس.
كما استمر العمل على نشر المفاهيم الجديدة بشؤون الإعاقة ومنها المفهوم الحديث للعجز والإعاقة، والعلاج الوظيفي، والتوعية الأسرية من خلال الإرشاد الأسري، والإرشاد الجيني، والإرشاد الصحي والإرشاد النفسي والاجتماعي، بالتنسيق مع الوزارات المعنية وهيئة شؤون الأسرة السورية وبالتكامل مع منظمات المجتمع الأهلي.
وفي هذا السياق تم إعداد أدلة خاصة بالمسنين العجزة وبالطفولة ومنها الرعاية الأولية كمفتاح لحماية الطفل من التعرض للحوادث المنزلية والمرورية والتخفيف من حدوث إعاقات دائمة، وتطوير كوادر الكشف المبكر عن الإعاقة، والتوسع بافتتاح مراكز لتعليم النطق واللغة في المحافظات.
المجلس المركزي للإعاقة
وفي إطار عمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يجري تفعيل دور وعمل المجلس المركزي لشؤون الإعاقة والذي أصدر جملة من القرارات خلال العامين الماضيين منها إطلاق طابع خاص بالإعاقة لرفد أنشطة المجلس المركزي للإعاقة، وتشكيل لجنة وطنية لدراسة ومراجعة تطبيق التشريعات والقوانين الوطنية الخاصة بالإعاقة وبيان كيفية تضمينها بالسياسات والخطط الحكومية ومواءمتها مع اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة، وإعداد برنامج لبناء قدرات وتدريب العاملين في الحكومة والجمعيات الأهلية في مجال الإعاقة، كما بدأ المركز بنشر الكشف المبكر عن الإعاقة، وتدريب الكوادر الطبية للتخفيف ما أمكن من الإعاقات المكتسبة بإجراءات التدخل المبكر والبدء بالإجراءات اللازمة، وإقرار المنح التي تستهدف ذوي الإعاقة.
تداعيات الحرب وزيادة عدد الحالات
وقد ساهمت الحرب العدوانية على سورية خلال السنوات الماضية بجملة من التداعيات السلبية التي أثرت على حجم ونوعية الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة وتجلى ذلك بنقص بعض التخصصات والكوادر المؤهلة علمياً وتعرض البنى التحتية لمراكز ومعاهد رعاية الإعاقة لأضرار كبيرة جراء استهداف الإرهاب لها وخروج العديد منها عن الخدمة وانتقال عدد منها إلى مقرات مؤقتة لا تتوفر فيها المؤهلات الكافية لعملها.
إلى جانب ارتفاع عدد حالات الإعاقة وزيادة الأشخاص المحتاجين للمعينات، ووجود حالات تتعدد فيها الإصابات للشخص وتحتاج لأكثر من معين لتخديم شخص واحد، الأمر الذي فاق القدرة الاستيعابية للمراكز.
كما ساهمت العقوبات الاقتصادية والعقوبات المفروضة على سورية بنقص وسائل الإيضاح المتطورة والمناسبة للإعاقات.
مشاريع لتحسين الخدمات
ويتجلى السعي لتطوير خدمات الإعاقة وتحسينها من خلال بدء وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتنفيذ مشاريع تحسين خدمات الإعاقة وجودتها لغاية عام 2020، ومنها مشروع قاعدة بيانات شاملة لشؤون الإعاقة الذي يهتم بتحديث بيانات مراكز ومعاهد الرعاية الاجتماعية العامة والأهلية وخارطة خدماتها وحالياً تم إنجاز 40% من المشروع وهو يفيد في تحديد نقاط الضعف في الخدمات المقدمة والاحتياجات على مستوى المحافظات، كذلك فإن المشروع يهتم ببناء قاعدة بيانات لمراكز ومعاهد الرعاية الاجتماعية وربطها بإدارة الحالة الفردية للمستفيدين من خدمات الرعاية والتأهيل، وأيضاً إحداث مراكز ومعاهد للرعاية الاجتماعية لاستيعاب الفئات غير القابلة للدمج كالشلل الدماغي والتوحد، وصيانة وتأهيل المعاهد المتضررة في المحافظات والتي تم تحويل بعضها إلى مراكز إيواء.
كما تعمل الوزارة على إنجاز مشروع تعزيز التغطية والجودة للخدمات في معاهد الرعاية الاجتماعية الذي يهدف إلى تطوير واعتماد معايير لجودة خدمات المعاهد والمراكز وتطوير وتوسيع معاهد التأهيل الاجتماعي والمهني لذوي الإعاقة لزيادة القدرة الاستيعابية في ضوء ما تسببت به الحرب العدوانية على سورية من زيادة في حالات الإعاقة الأمر الذي يستدعي دمج أنشطة تصنيع وتركيب الأطراف الصناعية وتصنيع المعينات الحركية وصيانة تجهيزات الإعاقة الحركية والبصرية، مع توفير مستلزمات معاهد الرعاية وتعزيز التشاركية مع القطاع الأهلي لتطوير خدمات المراكز والمعاهد، وزيادة طاقتها الاستيعابية لمعاهد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ومن المشاريع الأخرى التي يجري العمل عليها مشروع مراجعة المناهج التعليمية لمعاهد التربية الخاصة ومواءمتها حسب نوع الإعاقة، ومشروع CBR للدمج المجتمعي، كما يستمر التنسيق مع الجهات الدولية لوضع مشاريع الإعانات النقدية المؤقتة التي تخدم أهدافاً صحية أو تعليمية أو تمكينية للشخص ذوي الإعاقة أو أسرته.
محمود ديبو
Posted from Thawraonline.sy
Note: Only a member of this blog may post a comment.