خلافاً لما يمكن توقعه فإن السيد في علاقته مع العبد بحسب هيجل لا يشعر بالرضى عن وضعه لأن الاعتراف بإنسانيته يأتي من طرف شخص لا يعترف هو بإنسانيته مع العلم أن السيد يكتفي بالاستهلاك فقط أما العبد فعلى العكس يجعل تحكمه في الأشياء مساهماً في الخلق ويتمكن بذلك من السيطرة على الطبيعة وأنسنتها وذلك عن طريق العمل ومن ثم ينفصل نهائياً عن العالم الحيواني ويرتقي إلى درجة الوجود الإنساني الحقيقي..
وبحسب هيجل إن العبد يضع بصمته الشخصية على الأشياء التي يصنعها وهنا يكمن الفرق بين الإنسان والحيوان، فصحيح أن الحيوان يدخل في علاقات مع العالم من حوله إلا أنها علاقات استسلام أما الإنسان وبفعل قدرته على كبح جماح رغباته الآنية فإنه يؤسس العالم وبذلك فإن الإنسان الذي يصنع الأشياء يحقق ذاته، وهذه الكينونة هي السبيل الوحيد للمرور نحو المرحلة العليا من الإنسانية وهكذا يتمكن الإنسان بفضل العمل من تغيير الطبيعة الخارجية ومن تغيير طبيعته أيضاً من حيث إنه يتجاوز درجة الحيوانية ليصبح إنساناً ويتأكد بذلك أن الإنسان لا يتوفر على طبيعة معطاة بشكل نهائي وثابت من حيث إن طبيعته عبارة عن صيرورة متطورة تتحول باستمرار بتحويل الإنسان للطبيعة ويتأكد من خلال ذلك أيضاً أن الوجود الحقيقي للإنسان هو الوجود التاريخي وبأن الطبيعة الحقيقية للإنسان هي الثقافة أي قدرته على خلق طبيعة ثانية داخل الطبيعة..
وبالتالي وفق هذه الفلسفة فإن الإنسان هو ما يفعل في الطبيعة وما يفعل بذاته، كما يتبين من خلال العرض لجدلية العلاقة بين العبد والسيد التي أوضحها هيجل أن العمل هو أداة التحرير الوحيدة للإنسان؛ فعمل العبد هو الذي يحرره من سيطرة الطبيعة كما يحرره من سيطرة السيد فيما بعد من حيث إن علاقات الإنسان بالطبيعة ليست علاقات معرفية فقط بل هي أيضاً وقبل كل شيء علاقات تحويل وتغيير متبادلة.. وبالطبع يمكن أن نستنتج من خلال هذا الكلام أن العمل هو العتبة المفتاحية الأكثر حضارة والجسر الأكثر فاعلية في العبور إلى أعلى درجات الإنسانية.
The post العمل عتبة مفتاحية للعبور إلى أعلى درجات الإنسانية appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.