ليس هناك من يشك بحقيقة أن سورية لاتزال غنية بكفاءاتها وخبراتها.. وإلا لما سمعنا عن حالات التفوق الكثيرة لسوريين خرجوا للتو من البلاد.
وإن حدث، وتسلل الشك إلى عقول البعض، فذلك لأن الحرب «قتلت» لدى هؤلاء كل بارقة أمل.. وحياة.
لذلك، فالمشكلة التي تواجهها البلاد اليوم لا تكمن فقط في تعويض «نزيف» العقول، الذي تسببت به سنوات الحرب المدمرة.. وإنما في عجزنا، كأفراد ومؤسسات، عن امتلاك الآلية التي تمكننا من الوصول إلى تلك العقول، التي لا تزال موجودة في البلاد، والبحث عنها.
وثمة فرق بين افتقار مؤسساتنا العامة للكوادر المطلوبة مهنياً وإدارياً لأسباب مختلفة، وبين وجود هذه الكوادر في المجتمع وجهلنا في إيجاد طرق الوصول إليها.
لدينا آلاف الأطباء، المهندسين، المحامين، الماليين، الأكاديميين.. وغير ذلك من المهن الكثيرة، وفي مختلف المحافظات.
لكنْ ثمة فشل في الوصول أو البحث عن المتميز والأفضل مهنياً من بينهم، بدليل أنه عند الانتقاء لسبب من الأسباب تكون الخيارات غير موفقة لجهة الكفاءة والتمييز.
وأكثر من ذلك.. أحياناً يعجز المرء منّا عن ذكر أسماء بعدد أصابع اليد الواحدة لمبدعين في هذا المجال أو ذاك..!.
طبعاً لا نتحدث هنا عن الخيارات المحكومة بالعلاقات الشخصية والمحسوبيات، فهذه لها واقعها وعالمها الخاص، وإنما المقصود بالكلام السابق الحالات التي تكون فيها النيات جادة للاستعانة بالكفاءات والخبرات.
البعض يرجع هذه المشكلة إلى انكفاء الكفاءات والخبرات ذاتها، وتركها الساحة لمحدودي الخبرة والتميز، وغالباً ما يكون هؤلاء من أصحاب المصالح الخاصة الضيقة.
والبعض الآخر يعتقد أن جوهر المشكلة يكمن في عدم تبني المؤسسات العامة والخاصة لبرامج ومشروعات من شأنها اكتشاف المتميزين مجتمعياً، واستثمار تفوقهم وقدراتهم الكبيرة في خدمة الشأن العام.
هناك حالة واحدة فقط بدأت الدولة بتنفيذها منذ سنوات قليلة، وهي ذات طابع علمي وقد أخذت تثمر تدريجياً، وتتمثل في الاكتشاف المبكر للمتميزين والمتفوقين رياضياً عبر مدارس المتميزين ومسابقات الأولمبياد.
مع انحسار الحرب عن معظم المناطق، وتوجّه الغرب لمحاصرة المواطن السوري في لقمة معيشته، فإن حضور أصحاب الحلول المبدعة والتجارب الغنية أو لنقل «أولياء» العلم والمعرفة يصبح أكثر ضرورة.. سواء كان ذلك في موقع المسؤولية والقرار، أو في الشأن العام والمجتمعي.
إذ ليس هناك مجال للتجريب أو وقت يمكن إضاعته مع محدودي القدرة والإمكانيات المهنية والفنية، فالمرحلة القادمة ليست أقلّ صعوبة وخطورة من سنوات الحرب القاسية التي مرت.
لا نطلق بمقالتنا هذه أحكاماً عامة ومبرمة أو نرسم صورة «قاتمة»، فالقطاع العام كان ولا يزال حاضناً ومنمّياً لكفاءات وخبرات كثيرة.. وكل ما يحتاجه هو المساعدة والدعم للبحث عن «الكنوز» الفكرية والمهنية والإدارية.
The post البحث عن «الأولياء»! appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.