من أصعب الأشياء أن تكتب عن مقدس، عن بطولة، عن عظماء، قديسين أطهار، فكيف إذا كانت الكتابة عن هذا كله، أو عمن صنع لنا الانتصار والمجد، وتالياً الاستقلال بعد أن ضحّوا بدمائهم لكي نكون؟
أيضاً كيف لنا أن نكتب عن فرح الدنيا وبهجة عيد الأعياد الوطنية في حضرة الجلاء ورجاله الأبطال، تعجز الكلمات عن إعطاء هؤلاء حقهم.. فيوم الجلاء كما قال الشاعر بدر الدين الحامد:
هو الدنيا وزهوتها لنا.. ابتهاج وللباغين إرغام
قبل 72 عاماً سطّر أجدادنا وآباؤنا أروع صفحات البطولة والمجد، صفحات ستبقى خالدة للتاريخ، لأنها معمّدة بالدم في مواجهة أعتى جيوش الغزاة والاحتلال آنذاك.. صفحات كتبها السوريون جميعهم، حيث التفوا حول قلب واحد، هدف واحد، لهدف واحد، وهو الوطن وحريته.
الدين لله والوطن للجميع، لم يكن شعاراً بقدر ما كان حقيقة معاشة، فكان لهم ما أرادوا ولم يرتضوا بغير الاستقلال الناجز دون قيد أو شرط.
أبطال عاشوا شظف العيش في المنافي والجبال، لم يعرفوا، أو يرتضوا، برغد العيش وأبناء وطنهم تحت نير الاحتلال، تحملوا كل أنواع العذاب ولم يقبلوا مالاً أو سلطة في ظل الاحتلال..
ديدنهم الوطن، وأهله وحريته واستقلاله.. صرفوا من حر مالهم لشراء السلاح والذخيرة لمواجهة الدبابات والطائرات واستطاعوا بما امتلكوا إلى جانب العزيمة والإيمان قهر المحتل الذي ذهل لشجاعة هؤلاء الرجال، الذين سطّروا بأحرف من نور ملحمة الجلاء، لتشرق شمس الحرية الساطعة على وطننا.
في سبيل الحرية، قدمت سورية آلاف الشهداء، ولم يخش السوريون الطائرات والمدافع، بل إن بطش المستعمر جعل لهيب الثورات يزداد اشتعالاً، ورفض السوريون المناورات الكثيرة التي قامت بها سلطات الاحتلال بعدما فشلت في إخضاعهم وفوتوا على المحتل ألاعيبه المتمثلة بمنح البلاد استقلالاً شكلياً.
سورية في الذكرى الـ73 للجلاء، ماضية على الطريق نفسه والعهد نفسه لدحر كل أشكال العدوان الجديدة، وكل صنوف الإرهاب، وشعبنا وجيشنا يثبت للعالم كل يوم أنه على قدر المسؤولية.
في عيد الجلاء العظيم تحية لمن عاشوا الحياة بشجاعة ورجولة، والسلام على أرواح الذين صنعوا الجلاء، والسلام لكل من يحافظ على الجلاء بصموده وتضحياته حتى يبقى الوطن شامخاً موحداً عزيزا وقد نفض عن ترابه كل ما لحق به حتى دحر آخر إرهابي.
ونختم بما قاله القائد العام للثورة السورية الكبرى المغفور له سلطان باشا الأطرش في وصيته للسوريين:
«وصيتي لكم، إخوتي وأبنائي العرب هي أن أمامكم طريقاً طويلة ومشقة شديدة تحتاج إلى جهاد وجهاد: جهاد مع النفس وجهاد مع العدو. فاصبروا صبر الأحرار ولتكن وحدتكم الوطنية وقوة إيمانكم وتراصّ صفوفكم هي سبيلكم لردّ كيد الأعداء وطرد الغاصبين وتحرير الأرض. واعلموا أن الحفاظ على الاستقلال أمانة في أعناقكم بعد أن مات من أجله العديد من الشهداء وسالت للوصول إليه الكثير من الدماء. واعلموا أن ما أُخِذَ بالسيف، بالسيف يُؤخَذ، وأن الإيمان أقوى من كل سلاح، وأن كأس الحنظل في العز أشهى من ماء الحياة مع الذل.
The post السلام على من صنع الجلاء appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.