بعيداً عن التصنيف الفني المتعارف عليه بين الفنانين التشكيليين، الذي درجت العادة على عدّه مرجعيةً للتعاطي في وسطٍ لم يتمتع دائماً بحساسية وروحانية يُفترض أنهما تميزانه، لذا كانت أوصافٌ من مبدأ «رسام متوسط الموهبة أو عديمها» و«آخر يقلّد فناناً من جيل سابق»، تجد مكاناً رحباً في المشاركات الجماعية والمعرضين السنويين حتى إنها امتدت ليحتكر البعض مؤسسات فنية أُتيحت لهم إدارتها لمصلحة مجموعة أسماء يرونها الأفضل أو الأكثر نشاطاً، ولا نبالغ لو قلنا إن عدداً من هؤلاء لم يترددوا في دعم أصدقائهم من الفنانين وتهميش البقية على مدار سنوات!.
هذه الانتقائية والشللية كان لهما دور كبير في إقصاء فنانين موهوبين وإظهار البعض على أنهم الواجهة، وتالياً صار تكرار أسمائهم في الحوارات والبرامج الإعلامية أمراً قائماً من دون إدراك للتصنيف المقصود وغير المنصف.
بعيداً مجدداً عن المحاباة والتصنيفات يحق لنا أن نستبشر بالمعرض المشترك المستمر حالياً في صالة «لؤي كيالي» للفنانين مهند السريع وسمير الصفدي، فهي المرة الأولى منذ زمن طويل التي يختار فيها فنانان عرض لوحاتهما في مكان واحد، لأن خطاً مشتركاً يجمع مواضيعهما المتقاربة رغم أن كلاً منهما يسعى لإثراء تجربته وتمكينها ضمن المشهد العام، وهما أمران لا تعارض بينهما.
يقدّم سمير الصفدي نماذج عن حوارية بين جسدين يندمجان بانسجام وعفوية عبر انحناءات وميلان يوازيان انسيابية الشكل البشري وطمأنينته في حضرة من يحب، لذلك يشعر المتلقي أمام أعماله ببساطة لا تستجدي اهتماماً ولا تلقي بالاً لمتفرج مستعجل، وبالرغم من حالة التتابع الملحوظة في اللوحات، يفضل صاحبها التعاطي مع كل منها على حدة، وإن كانت وحدة موضوعها ترتبط برغبته في التعريف عن نفسه فنياً من خلال اتجاه محدد يشتغل عليه انطلاقاً من التعبيرية.
تمثّل التكوينات المتجددة لرجل وامرأة بداية جديدة وثابتة كما يراها الصفدي، توازي في مرونتها رغبات النفس المثقلة بسنوات الحرب والراغبة بسلام طويل، لذلك لا نرى خطوطاً منكسرة وألواناً صاخبة، الخط يضبط اللون، وكل ما في اللوحة يُوحي بتفاهم وسكينة يكتفيان بما لديهما عن العالم كله، ومن المفارقة هنا رغبة الصفدي في عرض أعماله هذه تحديداً مع فنان آخر، وعلى حد تعبيره «يجب أن تكون جزءاً من شراكة ما»، عدا عن أن «الشراكة تجربة في حد ذاتها».
بدوره يؤكد مهند السريع أن شبهاً ما يجمع أعمالهما، مع التنويه بأن مشاركته في هذا المعرض تصب في خانة التجريب بمعنى أن المراحل القادمة مفتوحة على كل الاحتمالات، وهو أمر مغرٍ بالنسبة له، بدأه مع سطوح لوحاته المعروضة في صالة «لؤي كيالي»، التي تكشف عن أجساد مختبئة بين تفاصيل اللوحة، بالطبع يعود هذا بداية إلى رغبته في عدم تجسيد حالة واقعية أو مباشرة مقابل حالة بحث عن شكل محاكاة بين المتلقي واللوحة لاكتشاف التشخيص الكامن فيها.
يبني السريع لوحته مبتدئاً بتكوين التشخيص قبيل هدمه باللون، وهو ما يبدو واضحاً في تزاحم الألوان لديه من دون أي إساءة للنظر، وعلى العكس تخضع هذه الحالة لدراسة وعناية يقوم بهما لمجاورة الألوان الباردة والحارة ثم توليفها مع سماكة لونية، وضربات عريضة للريشة والسكينة مستخدماً عجينة الإكريليك، ومع كل الغنى اللوني الظاهر، قدم الفنان عملين بلون واحد، لعلهما إشارة لتجربته القادمة.
نشير إلى أن الفنان مهند السريع شارك في معارض جماعية وورشات عمل في كلية الفنون الجميلة وأخرى في السويد مع فنانين سوريين وأجانب، أما الفنان سمير الصفدي فله ثلاثة معارض فردية سابقة ومشاركات عدة في معارض جماعية داخل سورية وخارجها، إضافة إلى مشاركات في مزادات فنية.
The post سمير الصفدي ومهند السريع… شراكة فنية تعترف بالآخر appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.