الأساس المكين في فلسفة السلام والحوار، كما جاء في القرآن الكريم، هو الصدق مع الذات ومع الآخر، ومن كبائر الإثم هي كبيرة الافتراء والبهتان، وهو حسب تعريفه النبوي أن تنسب إلى شخص أو أمة أو مجتمع فعلاً لم يفعله أو أن تتهمه بذنب لم يقترفه، بهدف استبدال صورته الطيبة بصورة خبيثة.
والسؤال، ماذا لو اتجه رأس الحضارة الإنسانية إلى امتهان رذيلة البهتان والافتراء بدافع نظرية مفادها: لكي تكون المثل الأعلى في صورتك فلا مفر من تشويه هذا المثل في صورة الآخرين؟.
وماذا لو اتجه إلى امتهان خطيئة البهتان والافتراء بدافع تسويغ الحرب والعدوان ليصل تزوير الحقيقة واغتيال الحق إلى رؤية فلسفية تسوّغ الاحتلال بالسطو على الأوطان، وأسوق هذا المثل المتواضع للفكر الفلسفي الأمريكي كيف يمتهن الأخلاق وكيف يزوّر نظام القيم لتسويغ عولمة هبطت بالإنسانية إلى أسفل سافلين.
وفي النصوص المفسرة أن مسلماً سرق في المدينة في زمن النبي (ص) فاجتمعت عصبية عائلة السارق على إلصاق هذه التهمة بيهودي في المدينة، وفي ظنهم أن مجرد يهوديته كفيلة بترجيح حجتهم في اتهامه، وجاؤوا بعصبياتهم إلى رسول اللـه (ص) لإقناعه بالأمر، فأنزل اللـه على نبيه أربع عشرة آية في سورة النساء مطلعها: (إنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللـه وَلاَ تَكُن للْخَائِنِينَ خَصِيماً) النساء 105 لتبرئة اليهودي مع إن السارق مسلم والمتهم هو اليهودي، يومها تأسس مفهوم جديد للعدالة قائم على الانحياز لقيمة العدل بمعزل عن تصنيفه على أساس ديني أو قومي.
وعلى هذه الإضاءة العاجلة أزعم أن أزمة الحضارة في الراهن المعاصر هي أزمة أخلاق استشرت في العالم عشية انحطام ميزان العدالة بوصفه المحور الذي تدور عليه رحى منظومة الأخلاق مجتمعة، ويكفي أن يقرأ الباحث في سلسلة الضغوط اليومية على الوطن السوري ليعرف معنى المكائد التي تقود مخطط البهتان والافتراء على أمة رفضت أن تكون شاهد زور على ما يحدث أمام بصرها من تزوير للحقيقة في فلسطين ولبنان والعراق.
وعلى أدب الإسلام في الانتصار لحقيقة العدالة وعدالة الحقيقة يبتهل الإمام زين العابدين مناجياً ربه: «اللهمّ فكما كرهت لي أن أُظلم فقني من أن أظلم» وما انهدم وطن، وما تمزق مجتمع، إلا بظلم الكذب ومكر البهتان وبغضاء الافتراء.. حيث يصير الحق باطلاً والباطل حقاً.
The post اغتيال الحقيقة appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.