كلما سمعت كلمة خبز أتذكر ما قاله مظفر النواب في إحدى قصائده «عندي أصدقاء لهم نكهة الخبز»، لكن بعدما شاهدت وشممت وتذوقت ما تقترفه أيدي القائمين على الفرن الذي يوزع ربطات الخبز لبلدة «بشنين» التابعة لمدينة مصياف، فإن تلك المقولة لن تكون صالحة البتّة، فالرغيف فيه ثقوب كبيرة، والرائحة أقرب إلى رائحة العفن، والطعمة أخشى أن أُكَفَّرَ بكل ما تعنيه الكلمة إن عبَّرتُ عن مكنونات نفسي، فرغم أن المُعادلة بسيطة بمُدخلاتها: طحين، ملح، خميرة، ثم يُضاف لها قليل من الماء الفاتر خلال عجن المكونات، وبعدها تُتْرَك لتختمر، وتُقطَّع العجينة دوائر تُغطى بقليل من الطحين ثم تُخبز على نار متوسطة، إلا أنه من المؤكد أن القائمين على ذاك الفرن لا يمتلكون الكفاءة لمُعايرة تلك المكوِّنات البسيطة للحصول على النتيجة المتوخاة، ورغم أن أسباب رداءة الخبز معروفة مسبقاً، فإما الطحين من نوعية سيئة أو تم تخزينه بطريقة خاطئة، ومن الجائز أن تكون الخميرة لا تقوم بعملها المطلوب، وتؤدي إلى تلك الرائحة الغريبة في الأرغفة، نتيجة أنها منتهية الصلاحية، أما السبب الثالث والمهم فهو الخبرة الفنية البشرية في العجن، والتي تلعب دوراً مهماً في تحديد طعم الخبز، إلا أنه على ما يبدو فإن القائمين على ذاك الفرن لا يهتمون إن كان الخبز «مُعجِّناً»، ولا إن كان لونه أقرب إلى الرَّمادي، حتى إن شكاوى أهالي «بشنِّين» عن تلك الأمور، وعن وزن الربطة التي لا تتجاوز 1150 غراماً في حين أنها ينبغي أن تتعدى ذلك بحوالي الثلاثمئة غرام، لم تأتِ أُكُلَها، لدرجة أنهم باتوا مُقتنعين بأن خبزهم «خالٍ من أي رقابة تموينية»، في حين عاد بعضهم لإنعاش أفران خبز التنُّور، بينما اكتفى الكثيرون بالصمت بعدما اقتنعوا بأن مسؤولي البلدة غير مهتمين بهذا الموضوع، فهم يحصلون على خبزهم الجيد من أفران بلدات مجاورة، ليبقى حلم أهالي «بشنّين» البسيط أن يعودوا لتشبيه أصدقائهم بنكهة الخبز التي حكى عنها النّواب.
The post خبز بشنّين appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.