نخوة نفطيّة

ما يحدث اليوم من غيرة دولية على النفط المراق ومنشآته المحترقة في شرق الجزيرة العربية، يستدعي إلى الذهن تعليقاً ساخراً طريفاً أبداه زياد الرحباني في إحدى إطلالاته المركّبة من المسرح والموسيقا، مفاده أنّ عجز الأمير النفطي عن استخراج نفطه بنفسه سببه عائد إلى الحرارة العالية التي تكتنف واقعة الاستخراج، فالأمير بوصفه (رجلاً حامياً دائماً، ودمه يغلي ويفور بمناسبة، ومن غير مناسبة)، لا يجوز أن تكون حرارة جسده مثل بقية البشر، فحرارته الطبيعية – بوصفه أميراً حامياً – لا تقلّ عن تسع وثلاثين ونصف درجة مئوية، وإذا أضيف إلى حرارته حرارة الأرض التي يقع فيها البترول البالغة خمسين درجة يصبح مجموع الدرجات تسعاً وثمانين درجة ونصف الدرجة، وهو ما يعني استحالة استخراج البترول بوصفه مادّة قابلة للاشتعال، وهذه الحال الاستثنائية اكتشفتها شركات النفط التي اعتمدت التبريد سبيلاً للاستخراج، فجاءت ببرودها التقليدي، وبرّدت رأس الأمير ورؤوس الأمراء، وبرّدت جسومهم الحامية أيضاً، وبرّدت الأرض، وبرّدت البترول نفسه.
إن أي قطرة بترول تعني اشتعالاً في موضع ما، وأكثر أشكال الاشتعال شيوعاً وانتشاراً في العالم موجودة في المحرّك الانفجاري للسيارات التي تسير بقوة احتراق الوقود البترولي، كما هو معروف، وهذا لا يعني صرف النظر عن استخدام الطاقة البترولية لمصلحة الإنسان وحضارته، بل القصد هو إبراز المفارقة التي شاءها تعليق زياد الرحباني، المفارقة المتمثّلة بتخصيب الرمضاء بالمزيد من الرمضاء والنار، ومداواة الحريق بحريق أعتى وأقوى، ومعالجة الجدب الصحراوي العربي المُصنّف في الجغرافيا الطبيعية وأشكال الأرض بأنه المكان الأكثر حرارة وجدباً على سطح الكوكب، (معالجته) بالمزيد من الحرق والمزيد من الحرارة والمزيد من الجحيم.
عاش أجدادنا العرب في كنف تلك الصحارى عدداً يصعب عدّه من مئات الأعوام، بوصف الجزيرة العربية هي الموطن الأصلي للعرب، وبوصف العرب سكّاناً أصليين لشبه الجزيرة العربية، والمؤكّد أن أولئك الأجداد المحكومين بكل تلك الأمداء الناشفة مضوا عميقاً في تخصيب بواديهم وصحاريهم، وكان سبيلهم الأساس، حياتهم الروحية الخصبة التي استنبتت الصحراء أشعاراً في منتهى الروعة والرقيّ، واستنبتت حياة دينية روحية شديدة الخصوبة تبدو الآن مستهدفة بالقحط الساعي إلى تعميم طرائقه في التفكير والحياة بقوة الحرارة النفطية وقوة أمريكا على حد سواء.

The post نخوة نفطيّة appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the نخوة نفطيّة on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.