أغلق إطار اللوحة بهواجس من رماد، وأبدأ برسم التفاصيل، في الزاوية اليمنى يبدأ هدير الألوان بصوت طفلة لا تشبه ما اعتاد أن يكون محور التباهي في الصالونات الأنيقة، حيث إن الصوت هنا مزنر بيدين مسبلتين إلى الخلف، وحاجباها يتابعان غيمة تعتمد تجاعيدها على «سوريالية» البحر الذي أنجبها من الموج في لحظة يُتمٍ..
في اليتم، كما في حالات أخرى أُحرقت في مساحاتها الأشجار، تحتار الألوان أي ريشة تختار للتخلص من كآبة المشهد، قد يكون اللون الأزرق غاية المشتاق، لكن الحرب بفطرتها تحقد على الطفولة، تجعل منها وقوداً لبراءة المتهم.. اللون الأحمر ذو القلب الموشوم على شباك جار يستلهم من القمر نزفه ليغدق على الليل موسيقا تنتظر من الفجر ألا يكون متسولاً لقطعة خبز، أو ممحاة مخصصة لمحو الصفقات الموشومة خدودها بالسهول المزيفة على مرّ التاريخ، لكن البدايات كما النهايات قادرة على أن تجعل الممحاة آمنة من أن تحك جلدها بمفردات المدونات الصفراء، ليبقى الترمل ذا سيادة مطلقة في كلّ العصور، هكذا غاب الحب عن لون الدم وتربعت الممحاة على عرش تغييب نفسها من الحقائب المدرسية، لكن الطفلة طالبت الريشة بالانتقال إلى زاوية اللوحة المقابلة لبعض من ذكريات قطفها والدها من بين الحقول عندما كان الزرع يمشط سنابله بأصابع الحناء الناطقة بأغنيات تمجد الحياة، حينها كانت أمها في مقتبل العمر كما الآن، وكانت يداها مغرمتين برفع شهادة التفوق فوق مقاعد الجامعة؟!… يومها كان اللون الرمادي قابعاً في قفص الاتهام، حتى إن الحدود التي كان يحاول تثبيتها ببعض النقاط أبت الاستسلام له، وهذا ما جعل حلم الانتقال إلى منتصف اللوحة لبعض الوقت قابلاً لرسم عروسة البحر وهي تراقص الفينيق بعيداً عن مخلفات النفط، لا بل إن الطفلة أيضاً طلبت من الحلم أن يرسمها على هيئة صبية تهدهد لمولودها الجديد، وهي في غاية انسجام الألوان مع أحفادها، ولو أن الريشة لم ترتبك أمام هذا الزحام الـمُصَنّع في مراجل الرماد لكان النجاح حليفها في المعرض الكوني المخصص لإنتاش البذرة من الأصل.. في عملية الإنتاش لا مجال للمراوغة، لا مجال لأن تأخذ الألوان من تدرجاتها ساحات مفتوحة لليتم، لا مجال لأن تبقى اللوحة مفتوحة على يأس الاحتمال؟!!.
The post هواجس لوحة appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.