أنهى صديقي (ألكسندر) النمساوي دورة تعليمية في معهد تعليم اللغة العربية للأجانب.. وقد حان وقت عودته إلى مسقط رأسه، ودعوته قبل سفره بيوم إلى جولة بسيارتي المتواضعة في أرجاء عاصمتنا التي أحبها بشغف صادق… وهكذا، مضينا نطوف شوارع دمشق.. وفي أحد تقاطعات شارع المزة توقف رتل من السيارات استجابة للشارة الحمراء.. وما إن أضاءت الشارة الخضراء، تلكأت سيارة أمامنا.. وانطلقت جُلَّ زماير مركبات رتلنا..
التفت صديقي (ألكسندر) وسألني عن سبب كل هذا الضجيج الزائد عن اللزوم الذي ينطلق من السيارات في عاصمتنا الجميلة… وأجبته أن لدينا ثلاثة أسباب لمثل هذه الزمامير.. أولها إن استخدام زمور السيارة يعد ضمن الحريات الشخصية.. وثانيها: إن استخدام الزمور تعبير عن الملْكية المتميزة لمواطننا… شوارعنا ضيقة.. بينما مواصلاتنا العامة متوافرة بأعداد وافية.. والخاصة.. ما شاء الله!.. ولدينا حافلات و«ميكرويات.. وسرافيس» ودراجات نارية، وأخرى عادية… وكان أول من استخدمها أحد وزراء النقل الفضائي.. وجربها بفعالية في تنقلاته… وصرّح، جاداً وبلا مزاح, أنه سيصعد بها إلى كوكب المريخ… «وثالثة الأثافي», عودة تقنين الكهرباء في ذروة ارتفاع الحرارة نهاراً!..
وهنا التفت ضيفي مندهشاً.. فهو لم يفهم معنى «ثالثة الأثافي», على الرغم من تمكنه من العربية, ومن أجل هذا أخذت ضيفي إلى بساتين (الربوة) في أطراف العاصمة, وكان معي إبريق.. ومن أجل تحضير ماء يغلي فيه.. وضعت حجرين، وأشعلت ناراً، وركنت الإبريق فوقهما، فانقلب لِتوِّه.. وقال لي ضيفي: ضع حجراً ثالثاً لكي يتوازن إبريقك, وأجبته: وجدتها… الحجر الثالث هو ثالثة الأثافي!..
هزّ الرجل رأسه وقال: لم أفهم! قلت له: سأبسط لك الأمور, إذا كان راتبي ثلاثين ألف ليرة.. وأستطيع تحصيل عشرة آلاف ليرة من أعمال إضافية, ومصروف البيت يحتاج مئة ألف ليرة شهرياً.. فبربِّك.. كيف يمكنني (طبخ الشاي) لأكمل به مصروف الشهر؟..
صاح ضيفي: «الآن فهمتها.. تلك والله ثالثة الأثافي»..
ورحنا نبحث عن حجر ثالث يسند الإناء.. بينما الحجر الثالث للعيش الكريم لا يزال صعب المنال!.. هل فهمتها يا (ألكسندر)؟!…
The post ثالثة الأثافي appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.