أعتقد أن الإجابة عن سؤال «لماذا تقدموا هم وتخلفنا نحن؟» الذي لايزال يُسأل منذ «إرهاصات» عصر النهضة والتنوير العربيين – والذي لم يجد ذلك العصر قائمة لنهضته حتى تنهض، ولم يجد فتيلة لشمعة تنويره ليُنير- فإن الكثير من تفاصيل هذه الإجابة، تكمن في هذه «الرهبة» من الإقدام والاجتهاد والنظر بما يُشبه القداسة لما مضى وانتهى..
وهنا لنأخذ مجال «الخط العربي» ثم لنقرأ كم الطقوس والأساطير التي تلفه من جهاته الست، التي تنقله بسهولة إلى حيز القداسة، تماماً كما فعلت باللغة العربية ذاتها، التي تكلست على آلاف المفردات المتحفية، ومن ثم تلك الهوة الشاسعة بين هذه اللغة التي بقيت قاموسية، ولغة الحياة، ومن هنا كان علينا الغوص في المفردات الأحفورية عند قراءة نصٍّ لأحد الكتّاب المتحفيين، حتى تظن أنه قد عاد للتو من حفلة صيد مع الشنفرى أو المغفور له تأبط شراً، أو كان في مهمة إغارة مع عروة بن الورد على إحدى القبائل المعادية.
أعتقد أن الكثير من هذه «الرهبة» للغة والخط العربيين، تأتي من تشبيكهما بالنص الديني، أو في تعالقها به، ومن ثمّ عمل بعض التيارات السلفية على تغذية هذا الجانب، الأمر الذي فرض الكثير من الرهبة عند تناول موضع اللغة والخط والحرف العربي، وزاد من هذه المسألة «مزاودة» واستعراض أنظمة الدول الإسلامية غير العربية في هذا المجال، لنر على سبيل المثال المسابقات والمعاهد التي تقيمها تركيا احتفاء بالخط والحرف العربيين، بينما تنظر إلى اللغة العربية «نظرة» فيها الكثير من «الشعوبية» والعدوانية إذا ما وضعت مقارنة مع الطورانية أو العثمانية، ولم تأتِ هذه المزاودات من تلك الشعوب الآسيوية إلا وبالاً على التجديد في العالم العربي.
بل حتى سياسياً، هل حصل العرب من الاستعراض التركي في «معاداته» لـ «إسرائيل» غير النفاق والغدر..؟!
مثل هذه «الرهبة» هي التي أفقدت الفكر العربي جناحه الفلسفي، والتحجر أو السكون عند الجناح الشرعي، والاكتفاء به، ومن ثم الإغراق بهذا الجانب، وهذا منذ زمن طويل، تحديداً منذ «هزم» فكر صاحب «تهافت التهافت» فكر صاحب «التهافت» الثاني الذي كان من أسباب نهضة أوروبا والغرب، والأول الذي كان من أسباب تخلف العرب والشرق وأقصد بذلك كلاً من الغزالي وابن رشد.
The post تماما كرهبة appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.