دموع الجمال

كثيراً ما نتحدث- نحن الرجال- عن النقاط التي زكّت امرأة ما لتصل إلى قائمة النساء المشهود لهن بالجمال في القرية أو الحي أو المدينة التي نقطن فيها، وكثيراً ما تبحث النساء في المجتمع ذاته عن روافد إضافية لتصل إلى تلك القائمة الشفهية..
الشاعر والفيلسوف الإنكليزي (هربرت ريد – 1893- 1968) يعرِّف الجمال بأنه هو: وحدة العلاقات الشكلَّية بين الأشياء التي تدركها حواسنا، هذا يؤكد أن المقياس الجمالي غير مقونن لكونه خاضعاً للإحساس، والذي يخضع بدوره للخصوصية (البيئية-الثقافية) التي تربى في حضنها، وساهمت في تشكيل رؤيته الفردية الخاصة في تفاصيلها الدقيقة، والمجتمعية العامة في آفاق ذاكرتها الجمعية، ما يجعل التقييم الجمالي -لأي امرأة- مثار خلاف بين (الرجال- الأفراد) حتى في حال تم اتفاقهم على العموميات..
يدّعي عصر العولمة قدرته على توحيد العلاقات الشكلَّية بين الأشياء بهمّة أكبر بكثير من العصور السابقة، وإن كان هذا الادعاء في جانبه الإعلامي لا يحتمل الخطأ، وخاصة عند النظر إلى منتجاته المادية (الموضة) المفروضة على الأسواق وعلى الزبائن بصورة قسرية لا تقبل المنافسة أو الخروج عنها، فإن تلك الوحدة المصنعة باتت تشكل عبئاً على الاحساس أدى بالنتيجة إلى استسلامه لثقافة جمالية هشة، متبدلة، وغير قادرة إلّا على متابعة الالتزام بالتشييء الذي ينفي الجمال بعيداً عن الإحساس الحقيقي به.. بمعنى آخر نستطيع القول إن عولمة المقاييس الجمالية للنساء بدءاً من الأزياء، وليس انتهاءً بقياس الخصر، وتسريحات الشعر، ولون العينين، فرض حالة من الاستقرار الذهني لرؤية جمالية موحدة بالمظهر العام، لكنها في الوقت ذاته متشظية لدرجة التلاشي داخل الإحساس، ما دفع المرأة لتكون شيئاً باحثاً عن التشبّه بالأخريات من أبناء جنسها المشار إلى جمالهن، تجنباً لشر الأذواق الرجالية -المتشيّئة أيضاً- والناقدة سلباً لجمالها في حال خروجها عن الموضة..
في حال استسلمنا إلى هذه النتيجة التي مهما تعالت في الكم فلن تستطع الخروج عن النسبية، فإن المرأة قد دخلت في حيز الخطر الذي سوف يسلبها حريتها في تقديم نفسها كأنثى متميزة بذوقها وجمالها وإحساسها، وإن كان هذا يشكل خسارة كبيرة لهن، فإن الخسارة الأكبر تطول الرجال، لكون المرأة مازالت تشكل لهم نقطة الارتكاز الجمالية الأهم التي يبنى عليها حلم الاستمرار والرفاه والتميز، فأي معنى للحياة في حال تغيبت الأنوثة الحقة عن عالمنا، وحلَّ مكانها «روبوتات – دم» تقدم نفسها بناءً على أمر «كنترول» يعمل بناءً على رغباتنا الآنية- المشوهة في أكثر الأحيان!!.

The post دموع الجمال appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the دموع الجمال on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.