جدل سوري

لم يكن عبثاً أن تُرمى بيزنطة بوسمة الجدل، كرمز دائم على انشغال المفكرين والفلاسفة فيها بأمور لا تشي إلا بالتفاهة، كالاختلاف حول جنس الملائكة، وأن تُضرب كمثال دائم عن المدن المنشغلة عن نفسها قبيل وقوع الحرب، فيصبح مصطلح «جدل بيزنطي» وصمة عار في وجه المدن الدخيلة على الحياة، التي بنت اسمها على أساس القوة والصلف والجبروت.
إلا أنه تسجل لتلك المدينة ميزة وحيدة فقط، وهي أنها سجلت فكرياً «بماذا كانت منشغلة قبل انهيارها»، ونحن لم نعرف مثلاً بماذا انشغلت عواصمنا كبغداد أو دمشق فكرياً قبيل انهيار الإمبراطورية الأموية أو العباسية، وأكثر ما يمكن أن يدرّسونا إياه هو خلاف السلاطين واختلاف العناصر، أما فكرياً ومعرفياً فلم يعنَ التاريخ بشيء!.
وقد لا يقدّم لنا التاريخ عن هذه الدول إلا بعض الأمور التي استغلها «الخلفاء» لخدمة سلطانهم وسلطتهم، على أن بيزنطة لا يمكن أن تكون كل المدن، بل هي مثال عن المدن التي اتخذت القوة عماداً لها، كما أنها لا تدل على اتجاه الفكر البشري إلى «التفاهة» في حال استتب له الأمر، بل تدل على كشفها عن الفراغ «الروحي» الذي كان موجوداً أصلاً ولكنه كان مموهاً بمسائل التوسع والسيطرة، كما يكشف عن الدول التي تعتمد على الخطر الخارجي كعصبية تجمع شملها!.
لم يحدث في التاريخ أن الفكر كان سبباً في العداء بين الدول، وأقصى ما كان، أنه كان ذريعة لبسط سيطرة، لكنه لم يكن سبباً حقيقياً لتلك المعارك، ولذلك لم يتم الاهتمام به كعامل من عوامل البحث في قوة البلدان أو ضعفها، وإلى ذلك لم يسجل ثقافياً أن تمت الدعوة إلى البحث عن حركة التأليف والفكر والتدقيق بماذا كانت هذه الدول مشغولة؟، لتكن هذه دعوة إذاً!.
لو جمعنا الكتب التي تم تأليفها في العقدين الأخيرين، وبحثنا عن العناوين التي تم إصدارها بفعل حركة العقل لا بفعل «متطلبات السوق» أو «حركات» الترجمة، لما أمكننا أن نصل إلى نتيجة مماثلة لبيزنطة، لنعرف بماذا كان عقلنا «السوري» مشغولاً، وربما لم نعرف فيما إذا كان مشغولاً أصلاً!.

The post جدل سوري appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the جدل سوري on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.