كلّ درب معبدة بأمل جديد: في الماضي كان هذا الأمل مُعرّفاً بطلب الرزق، العلم، المعرفة، أو المتعة، وكانت حدود البلاد مفتاحك الآمن لعبور بواباتها.. في زمن تلاشي الحدود صار الأمل مبنياً للمجهول، أمل قد لا يتصالح مع حقيقة نرويها لتسويغ العبور إلى المجهول، أمل لم يعد يشبه تداعيات الخطيئة الأولى، باتت حداثته تشبه بيت العنكبوت في إتقان صنعته، في هشاشته، في غوايته، في غايته المخفية بقدرة الطريدة على الامتثال لحلم أغواها -ذات حرب- لتكون فريسة تمنح للأمل استمراره من دون رحمة!!..
يقول الشاعر سميح القاسم: عندما أُقتل في يوم من الأيام سيعثر القاتل في جيبي على تذاكر سفر: واحدة إلى السلام، واحدة إلى الحقول والمطر، واحدة إلى ضمائر البشر..
اقتران مفردة القتل بالسفر في قول القاسم يؤكد أن سؤال السفر يعيش في داخلنا حتى وإن كان القاتل ينتظرنا قبل الوصول إلى الغاية، لكن هناك شيء آخر استوقفني بالقول ألا وهو تذكرة القاسم الأخيرة، تذكرة السفر إلى ضمير البشر، تلك التذكرة التي يحاول تجار الحروب منعنا من امتلاكها، لكننا لن نستطيع إلّا أن نذاكر أرقامها لنسأل من خلالها عن صورة غدنا، وأي أمل نسافر إليه ومئات الضحايا، الجياع، الأرامل، تزور مخدعنا في كل ليلة، أي أمل نبتغيه من السفر ونحن نسأل الدروب عن أطفال أُغلقت في وجوههم عربات الضمير الإنساني، وكيف سيتم فتحها، أم إن الأمل بهذا صار خارج حلم السفر!!.
يقول محمود درويش من خلال تجربة سفره القسرية: (لم يعرفوني في الظلال التي تمتصّ لوني في جواز السفر، وكان جرحي عندهم معرضاً لسائح يعشق جمع الصور)!! ..
كم مؤلم أن يحول الأمل جراحنا إلى لوحة لسائح يعشق جمع الصور، لوحة بات يدركها الكثيرون ممن خانهم الأمل في لحظة عراكهم مع الهوية، لحظة بات يدركها الكثيرون لحظة الامتثال إلى التحديق في تفاصيل الصورة من دون القدرة على ضمان استمرار ظلالهم في تفاصيلها، كم مؤلم أن يغيب السؤال عن تأشيرة لجواز سفر إلى مستقبل غامض، وعاجز -في المعاصرة- عن مصارحة حامله بالعنوان الصحيح، كم مؤلم أن يكون المسافر إلى الأمل ملتزماً بالمفارقات القهرية التي تحملها له مفردات السفر!!..
The post مفارقات السفر appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.