(في بلاد العميان) قصّة متوسطة الطول، لـ (ويلز) الذي اشتهر بإنتاج مقدار معتبر من قصص الخيال العلمي ذات الطابع الأصيل، خلافاً لما نشهده على شاشات التلفزة، وفي المنشورات الورقية من مبالغات منضوية في خانة الخيال العلمي، مبالغات يقلّد بعضها بعضاً، وينافس بعضها بعضاً في مدى الشطط الذي يغالي في ابتعادها عن الصفة الفنية. ولا يخفى على المتلقّي الفطن، أنّ الإسراف الأمريكي في إنتاجها وتعميمها على بلدان العالم يرمي إلى إقناع الشعوب بالتفوّق الأمريكي النوعي الساحق على بقية الشعوب، وإقناعهم أيضاً بضرورة الخضوع للإرادة الأمريكية التي أنتجت نوعاً بشرياً خارقاً يمضي بشجاعة فائقة لاستعمار الكواكب الأخرى في المجرّات الأخرى، بعد أن فرغ من استعمار كوكب الأرض، وتخريبه وتركه للحيوانات والكائنات الأدنى. تجري وقائع قصة ويلز في قطعة أرض منبسطة في فجّ عميق الواقعة داخل مجاهيل جبال الأندس غرب أمريكا الجنوبية، والأرض محوطة بجروف صخرية شاهقة الارتفاع، ولا يعيش فيها سوى العميان الذين التزموا نظاماً اجتماعياً صارماً ودقيقاً، واستطاعوا زراعة أرضهم، وشق القنوات المناسبة لسقايتها، وشق الطرق لخدمة الأرض، وتسهيل سير العميان باتجاه غاياتهم. رسم ويلز مجتمع العميان والمنطقة التي يعيشون فوقها كما لو كانت جنة معزولة عن بقية العالم الذي بدا غير موجود في قناعة العميان الذين شكّلوا مجتمعاً تعاونيّاً يقارب المجتمعات اليوتوبية التي حلم بتشكيلها البشر على مرّ العصور. لم يكن العميان يرون ضيراً في العمى، بل كانوا يرون وضعهم هو الوضع الطبيعي للبشر، ولذلك عندما حلّ بينهم مبصر كان قد ضلّ طريقه إلى تلك المنطقة، أشفقوا عليه، ووجدوه أدنى منهم بفروق حاسمة، ولذلك سعوا إلى تأهيله على المستويين العضوي والاجتماعي، فدرّبوه على العمل الزراعي، والانخراط في منظومتهم الاجتماعية، ووافقوا على تزويجه إحدى بناتهم. ولكن النقلة الحاسمة تمثّلت في حرصهم على جعله أعمى مثلهم، على أساس أنّ تأهيله
يظل ناقصاً ما لم يصبح أعمى. وهذا ما جعله يهرب سالكاً مسالك شديدة الخطورة قبل أن يفوز بالنجاة. القصة تبدو بريئة من الإحالات السياسية والاجتماعية المباشرة، ولكنها تشي بما يشبه الاتّهام الأمريكي المباشر لما كان الاتحاد السوفييتي بصدد إنشائه وتعميمه بخصوص المزارع التعاونية الجماعية التي يكاد تصوير بلاد العميان أن يكون وصفاً دقيقاً لها، بالتوازي مع اتّهام المنخرطين في مشروع إنشائها بالعمى الذي يرى المبتلون به أنّ واجبهم نشر العمى وتعميمه في كلّ زمان ومكان.
The post تعميم العمى بوصفه أساساً وخلاصاً appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.