صار كتاب «أرض جديدة» لمؤلّفه «إيكهارت تولي» بين يديّ، مشفوعاً بمديحٍ سخيّ ممَّن أهداني إياه، لذلك مضيتُ إلى هذه الأرض خفيفةً كمسافر أشتاق إلى جزيرةٍ نائية، منسيّة، لم يدمّر براءتَها البشر! فالكاتبُ يريد الاستنارة الرُّوحيّة الأكثر عمقاً من أجل حياةٍ أفضل! وها هو يبادر قارئه في السّطر الأوّل بحديث عن أوّل زهرة تفتّحت على سطح الأرض لتستقبل أشعّة الشّمس، ولم تكن حينها، الظُّروفُ ملائمةً من أجل ذلك التّفتُّح الواسع للزّهور، وعلى الأرجح أنّ تلك الزّهرة الأولى أيضاً لم تتمكّن من البقاء طويلاً على قيد الحياة، في حين ظلّت الأنواع الأخرى من الزّهور مجموعةً من الظّواهر المعزولة التي كان حدوثُها نادراً، ولو أنّ الوعي الإنسانيّ كان حاضراً، لشهد الانطلاق المفاجئ للألوان والأريج المرافق في أنحاء هذا الكوكب كافة, لكننا سنرى فيما بعد كيف تمكّنت هذه الكائنات العطرة الحسّاسة من لعب الدّور الأكثر أهمّيّةً في تطوِّر الوعي بحيث انجذب إليها النّاس وتعلّقوا بها فهي التي لم تتّصف بأيّة غاية نفعيّة (لننتبِهْ إلى غير نفعيّة) وبالمقابل وفّرت مناخاً جيّداً لإلهام العدد الأكبر من الفنّانين والشّعراء والصّوفيّين!
التعرُّف الأوّل على الجمَال، حسب «إيكهارت» هو أحد أكثر الأحداث أهمّيةً في عمليّة تطوّر وعي الإنسان بحيث ارتبطت مشاعر الفرح والحبّ بعمليّة التعرّف تلك، وقد عدّت هذه الزّهور، فعلاً، الأكثر أثيريّةً ورقّةً وسرعةً في الزّوال، من تلك النّباتات التي نمت عليها وانبثقت منها، لتصبح بهذا شبيهةً بالمراسيل المبعوثة من مملكة أخرى، وهي لم تمتلك ذلك العطر المحبّب الذي سَحرت به المخلوقات الإنسانيّة، بل أحضرت معها كذلك، شذى وعبيراً من تلك المملكة التي تُسمّى مملكةَ الرّوح، وهذه هي عمليّة الاستنارة التي يصعب على الجماد اجتراحُها إلا فيما ندَر!
لا يلبث الكاتب أن يتنقّلَ في أرضه الجديدة ليلمس الكريستال والأحجار الكريمة ويصغي إلى الطّيور، جازماً أن لها مكانتَها الهامّة والخاصّة بالنسبة لروح الإنسان! وأنّ مجرّد تأمُّلها مهما كان ضئيل الأهمية سيفتح نافذةً على الباطن باتّجاه مملكة الرّوح!.
The post أرضٌ جديدة appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.