المسابقات الأدبية العربية بين المصداقية والتشكيك فيها

كلما صدرت نتائج جائزة مسابقة أدبية عربية، يمضي كثير من الأدباء والقرّاء إلى التشكيك في مصداقيتها، أو مصداقية اللجان لأن بعض الكتب الفائزة لا تستحق، بخاصة إن نالها أشخاص (ذكوراً أم إناثاً) تحضر أسماؤهم للمرة الأولى في عالم الأدب، وتتلاقى بعض الأصوات بعد قراءة الأعمال وتحليلها نقدياً.
في ظل ذلك توجّهت «تشرين» للكاتب المسرحي السوري المقيم في الإمارات العربية منذ أكثر من ربع قرن، عضو لجان تحكيم في مسابقات عربية أيضاً د. هيثم يحيى الخواجة، والناقد والأستاذ الجامعي المغربي، عضو لجان تحكيم في مسابقات عربية أيضاً د. عبد المالك أشهبون، توجهت لهما بالسؤال لمعرفة أسباب ذلك التشكيك والسؤال عمّا يمكن الاحتكام إليه لمعرفة مصداقية مسابقة ما؟ معاً نقرأ:
الانحياز للإبداع الجيد
يشير د. الخواجة في مستهل إجابته إلى «ضرورة المسابقات الأدبية لكونها تعطي كل ذي حق حقه»، أما عن التشكيك في النتائج والمصداقية فهو يؤكد «أن أغلب المسابقات صحيحة ودقيقة وهدفها الأعلى المصداقية وإعطاء الجائزة لمن يستحقها فعلاً». ويعلل أسباب شك المتابعين لنتائج المسابقات قائلاً «يحدث أحياناً اختيار بعض أعضاء لجان تحكيم، ليست لديهم معرفة دقيقة ومعمقة بالجنس الأدبي الذي خصصت المسابقة له، أو إنهم يؤمنون بإيديولوجية معينة ويرفضون أي إبداع لا ينطلق من هذه الإيديولوجية أو إنهم ينظرون إلى الجنس الأدبي من زاوية واحدة ويهملون بقية الزوايا. وبناءً على ذلك فإن تحكيم الشعر على سبيل المثال لا الحصر يحتاج إلى شاعر محكم أو ناقد شعر متألق، ولا يجوز طبعاً أن يكون عضو لجنة التحكيم أقل إبداعاً أو خبرة من الذين تقدموا إلى المسابقة». ويتابع د. الخواجة تعليله لهذه المسألة بالقول «وبالمقابل فإن البعض يتحدث عن المصداقية لأن الحظ لم يوفقه في مسابقة ما، كما إن البعض لا يكون إبداعهم بمستوى النجاح حسب رأي المتلقين، ومع ذلك يكون الفوز حليفه. وهذا يعود في رأيي إلى أنه وفّق هذه المرة، أو لأن المتقدمين كان مستواهم ضعيفاً. ولذلك فنحن بحاجة –حقاً– إلى شروط صارمة تلتزم بها المسابقات في الوطن العربي، كما إن المصداقية هي عماد كل مسابقة. وما أتمناه أن نلغي من قاموس المسابقات النظر إلى الاسم اللامع أو الفئة التي ينتمي إليها المتسابق، لكون الإبداع هو المهم أولاً وثانياً وعاشراً. وبناءً على ما سبق يحق لنا السؤال كيف يحكّم أدب الأطفال مثلاً من لا يعرف شيئاً عن هذا الأدب، وكيف يحكّم في الدراسات من لم يكتب دراسة في حياته؟!».
ويختتم د. الخواجة مساهمته بالقول «أسئلة كثيرة تستحق الإجابة، منها أليس مشروعاً القول: التقصي والتأكد من هذا المنجز الممتاز الذي سينال جائزة كبيرة هل هو الذي كتبه (أي المشارك في المسابقة) أم كتبه غيره؟ وإلاّ كيف يكون هذا المنجز الجيد والممتاز فائزاً وأعمال هذا الكاتب كلها رديئة وأقل من مستوى الإبداع الفائز بكثير؟! فمن حقنا المطالبة بأن تكون المسابقات الأدبية راقية ومهمة وصادقة، لكي ننصف المبدعين وننحاز إلى الإبداع الجيد بقوة واعتزاز».
مناخات حيوية للتنافس
وبدوره أيضاً يؤكد د. أشهبون «أن الجوائز الأدبية التي انتشرت في العقد الأخير تُعَدُّ مكسباً ثقافياً لا يمكننا إلا تثمينه والتنويه به، بما هو وسيلة من وسائل تحريك الساحة الثقافية العربية من جهة، إضافة إلى أنها تخلق مناخات حيوية للتنافس ما بين الكتاب من جهة ثانية، كما إنها قناة محفزة لتشجيع القراءة في وطن عربي تتدهور فيه صناعة الكتاب يوماً عن آخر، وتتزايد نسبة العزوف عن القراءة بشكل رهيب من جهة ثالثة». وعن القيمة المادية للجوائز يقول «لا تكمن أهمية الجوائز الأدبية فقط في بعدها المادي، بل يكون التثمين جباراً حينما تعمل المؤسسات المعنية بالجوائز على ترجمة هذه الأعمال الفائزة إلى لغات أجنبية، وهذه الخطوة نوعية وحميدة، وتالياً تشكل هذه الجوائز نافذة تشرئب منها الرواية العربية نحو آفاق العالمية، كسراً لعزلة الكاتب العربي». أمّا المعايير التي يجب التنبه لها من قبل المشككين فهي «أن كل جائزة في عالمنا العربي إلا وتضع المعايير الفنية الأساسية التي تنطلق منها اللجان المحكمة، لكن يهمنا التأكيد، في هذا الصدد، على أنه من بين الإجراءات التي تعطي لبعض الجوائز مصداقيتها، هو أن المحكمين يتلقون المادة الأدبية من دون هوية، حيث يتم إسقاط اسم صاحبها، وهذا ما يخفف من حدة سلطة الأسماء الروائية المكرسة التي لا تكون دائماً في مصلحة المبدع الشاب، بل تعمل على إقصائه منذ البداية، بدعوى الحداثة في السن أو في التجربة الإبداعية… وهذا الإجراء الفاعل هو الذي مكَّن بعض الروائيين الشباب من الحصول على جوائز عربية، وهم مغمورون حتى في بلدانهم، ناهيك بمستوى الساحة العربية، ومع ذلك فرضت نصوصهم الروائية نفسها على اللجان، ونالوا حظهم من التتويج في هذه المنافسة أو تلك».
وفي ختام مساهمته يقول د. أشهبون «وبغض النظر، عن ردود الفعل التي تخلفها نتائج المسابقات؛ فإن ما لا يمكن أن ننكره هو أن النص الأدبي الجيد يفرض نفسه، شئنا هذا أم أبينا، على اللجان المحكمة».
ليس أخيراً
رغم ما تفضل به د. الخواجة ود. أشهبون، يمكن الإشارة إلى أن مهمة التحكيم مهمة صعبة بخاصة في نتاجات الأسماء الجديدة التي ليس في حوزتها نتاجات سابقة يمكن التقصي عنها والقياس عليها للتأكد من عدم المشاركة باسم غير اسم صاحب العمل الأدبي، لضمان الفوز، لأن ثمة أسماء نعرفها كانت تشارك بأكثر من عمل وبأسماء أصدقاء أو أقارب، فأن تفوز كاتبة بجائزة في مسابقة عربية من دون أن يكون لها أي إصدار سابق أو أي اهتمام أدبي أو حوار أدبي مع أقرب الناس يخص كتاباً ما، يدفعنا ذلك على حد قول أحد المشككين «للشك في كتابة نصها الفائز!». كما إن ثمة أسماء اختفت من الساحة الأدبية رغم نيل جوائز في مسابقات أدبية كنا قد نشرنا لهم أخباراً عن فوزهم، فهل كانت أعمالها بيضة الديك، أم هي لأسماء أخرى اختفت وراءها كونها شاركت بأكثر من عمل لتضمن نيلها جائزة واحدة على الأقل من المسابقة؟! ناهيك بطريقة التعاطف مع بعض الأدباء والأديبات الذين نزحوا من أقطارهم بسبب الحروب التي لم تهدأ نيرانها بعد، فنالوا جوائز، لا يستحقونها، كما أثبتت وتثبت قراءة تلك الأعمال سواء من قرّاء محترفين أو من أدباء يمارسون الجنس الأدبي ذاته، أو من قبل نقاد، ويتجسد ذلك في مراجعاتهم المنشورة في الصحف والمجلات!

The post المسابقات الأدبية العربية بين المصداقية والتشكيك فيها appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the المسابقات الأدبية العربية بين المصداقية والتشكيك فيها on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.