تتصاعد حدة التوتر بين «الجمهوريين» وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين «الديمقراطيين» حول السياسة الأميركية في المنطقة, خاصة بعد تصويت مجلس النواب في «الكونغرس» على قرار يؤيد «حل الدولتين» باعتباره الضمان الوحيد «لإحلال السلام» بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، ويرفض سياسات الضم والاستيطان والإجراءات أحادية الجانب. في خطوة وصفها مراقبون بأنها صفعة بوجه ترامب وتوبيخاً له على قراراته بحق الشعب الفلسطيني, سواء فيما يتعلق بتشريع الاستيطان وابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة أو الإيغال في سياسات الانحياز الأعمى للاحتلال الإسرائيلي على حساب وجود الشعب الفلسطيني ومصيره.
رغم أن قرار «الكونغرس» جاء رمزياً باعتباره غير ملزم قانونياً للإدارة الأمريكية ولا يلغي قراراتها، إلا أنه ينطوي على دلالات مهمة تلقي بظلالها على التعامل الأمريكي مع القضية الفلسطينية، فهذه هي المرة الأولى التي يصوت فيها «الكونغرس» على قرار لتأييد «حل الدولتين». ناهيك عن أن تمرير مشروع القانون في هذا الوقت ليس مصادفة، وإنما هدفه إرسال رسالة إلى نتنياهو وترامب مع اقتراب إعلان إدارة ترامب عمّا يسمى «صفقة القرن» مفادها أن «الديمقراطيين» في مجلس النواب يعارضون ما تتضمنه الصفقة – وفقاً للتسريبات- من إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية المحتلة، وحق عودة اللاجئين.
لا شك بأن هذا القرار الذي رحبت به الرئاسة الفلسطينية سيصبح نقطة ارتكاز تؤكد لترامب أن قراراته المخالفة للقانون الدولي باطلة, مع التأكيد أنه لم يكن ممكناً «للكونغرس» أن يتبنى مثل هذا القرار لو لم يكن موقف الشرعية الفلسطينية حازماً برفضه الإعلانات الصهيونية لترامب منذ إقدامه على الاعتراف بالقدس المحتلة «عاصمة» للكيان الإسرائيلي ومن ثم نقل السفارة الأمريكية إليها، إلى الإعلان عن (ورشة البحرين)، وأخيراً إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن بلاده لا ترى أن الاستيطان الإسرائيلي يخالف القانون الدولي، في خطوة عدها مراقبون انقلاباً على قرارات الشرعية الدولية.
وعليه, فإن قرار «الكونغرس» الذي جاء انتصاراً للدبلوماسية الفلسطينية وللحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني, ليس فقط صفعة لترامب ولسياساته العوراء إزاء فلسطين المحتلة، وإنما أيضاً ضربة قوية لنتنياهو الذي تعهد في مشاريعه الانتخابية أنه سيضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة إلى «السيادة» الإسرائيلية، في حال انتخابه رئيساً لحكومة الاحتلال مرة أخرى. والأهم من ذلك أن هذا القرار صدر رغم كل المحاولات والضغوط التي مارسها ساسة إسرائيليون منذ حزيران الماضي بهدف إجهاض مشروع القرار في «الكونغرس».
ومع قرار «الكونغرس» هنا الرافض لمحاولات إدارة ترامب (شرعنة) الاستيطان والضم والداعم (لحل الدولتين) كأساس لأي (خطة سلام أمريكية)للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، يجب على إدارة ترامب التي باتت اليوم بعلم القاصي والداني خارج الإرادة البرلمانية للولايات المتحدة, أن تعيد حساباتها سريعاً وتتراجع عن سياساتها الخاطئة وتنطلق من أن السلام الحقيقي لا يتحقق بالبلطجة الأمريكية والجرائم الإسرائيلية اليومية, وإنما يتحقق فقط في إطار القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
The post ماذا بعد قرار «الكونغرس»؟ appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.