بعد العدوان الأمريكي الإجرامي الذي أدى إلى استشهاد الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وعدد من رفاقهما, باتت الأنظار كلها موجهة إلى العاصمة الإيرانية طهران, وسط تكهنات حول طبيعة الرد الذي وصفته طهران بالحتمي, وما سيرشح عنه من تداعيات لا يمكن التنبؤ بها في المنطقة، حيث ستكون الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي هما أول جهة ستواجه هذه التداعيات التي ستكون مفصلية وحاسمة.
جميع التحليلات التي تدفقت غداة الإعلان عن اغتيال سليماني تؤكد أن هذا العدوان الموصوف هو خطأ استراتيجي وقعت فيه واشنطن ليكون إعلاناً صريحاً للحرب, في وقت لا تسمح فيه التوازنات الاقتصادية والعسكرية والدولية بحرب لا يستطيع أحد منع انزلاقها وتدحرجها, وخاصة في الولايات المتحدة حيث يبدو الهلع واضحاً في تصريحات الخبراء والمشرعين في «الكونغرس»، حيث طغت تفاصيل اتخاذ قرار العدوان وتطوراته على كل ما عداها بما في ذلك موضوع محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ إذ افتتح المجلس دورته الجديدة بالحديث عن اغتيال سليماني قبل التطرق لموضوع محاكمة ترامب، وسط تقارير تتحدث أن الاغتيال يمكن أن يكون قد حصل بهدف تغيير الأولويات لتصبح قضية عزل الرئيس مسألة ثانوية.
ناهيك عن توقيت الاغتيال، الذي أثار الشبهات وعلامات الاستفهام باعتباره أتى عشية عودة «الكونغرس» للانعقاد وبحث ملف المحاكمة، ما جعل «الديمقراطيين» في «الكونغرس» يطالبون بالاطلاع على المعلومات المتعلقة بعملية الاغتيال, انطلاقاً من أن ما كشفته الإدارة «للكونغرس» بصورة عاجلة لم يكن كافياً, وسردية (دواعي) اغتيال سليماني لم تكن مقنعة، ناهيك عن أنها مخالفة للقانون الدولي.
واقع الحال الذي يشي حسب الكثيرين من المحللين بأن قرار العدوان لم يكن نتيجة اتفاق أو دراسة وإنما قرار «ترامبي» خالص بدفع من الكيان الإسرائيلي, وذلك بعد الفشل الذريع للحليفين أمام محور المقاومة في جميع الجبهات الممتدة من سورية إلى اليمن. ناهيك عن ما يطمح إليه ترامب من مساعدة «اللوبي» الإسرائيلي في كسب الانتخابات القادمة.
من حيث يعلم ترامب أو لا يعلم, ستكون أول وأهم عواقب هذا العدوان الأمريكي، سيكون إذكاء غضب وانتقام سكان المنطقة ضد القوات الأمريكية لأن شعبية الشهيد سليماني لم تكن شأناً إعلامياً، بل كانت شعبيته عفويةً وحقيقيةً بسبب شجاعته ودوره الكبير في محاربة الإرهاب لمصلحة المنطقة ككل، فعندما كان يتحرك بين الجبهات بشكل مكثف في الخطوط الأمامية لم يكن محصناً بالأمن، بل كان محصناً بقواعد الردع, ولذلك قررت إدارة ترامب اختراق قاعدة من قواعد الردع بزعم أن العدوان جاء «خطوة دفاعية استباقية وان المنطقة أبعد ما تكون عن الحرب», إلا أن هذا الزعم وجد صعوبة في تسويقه حيث أخلت إدارة ترامب رعاياها من العراق وبدأت بدفع الحشود العسكرية إلى المنطقة.
وعليه, فإن ما بعد اغتيال سليماني ليس كما قبله, فقد فتح العدوان الإجرامي الأمريكي مرحلة جديدة إقليمياً ودولياً, حيث ستكون له عواقب لا حصر لها بالنسبة لواشنطن التي تقف على قدم ونصف تتوسل وساطات لن تمنع طهران والملايين من طالبي الثأر في العالم الحر المقاوم من الانتقام في الزمان والمكان المناسبين.
The post ما بعد اغتيال سليماني ليس كما قبله appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.