رأى الشكلانيون الروس وجود وراثة أدبية، ونسب أدبيّ في الإطار البيولوجي، لا في الإطار الثقافي فقط؛ جاعلين الموهبة الأدبية، والاستعداد الفطري لممارسة الإنتاج الجمالي بمنزلة المؤهّل الفطري الذي ينتقل من الأهلين إلى الأجيال التالية؛ فالابن المباشر لهذا الأديب أو ذاك لا يرث موهبة والده الأديب بالضرورة, وإنما يرثها أحد أبناء الإخوة أو الأخوات أو الأعمام، بمعنى: إنّ الموهبة الموروثة لا تسير بخط عموديّ مستقيم، وإنما تعتمد خطّاً مائلاً أو متكسّراً. هذا ما أورده الشكلانيون الروس الذين ازدهر نشاطهم وأبرز إنجازاتهم الرفيعة في ثلاثينيات القرن العشرين. وإذا أخضعنا هذه الفكرة لمعطيات التربية الحديثة التي تقلّص دور الوراثة الجينيّة لمصلحة البيئة والظروف، نجدها منسجمة مع معطيات التربية أكثر ممّا هي متعارضة مع الفكرة التي تولي البيئة الاجتماعية والمحيط دوراً محوريّاً في هذا الشأن؛ فالأولاد الناشئون في محيط اجتماعي (خليّته الصغرى هي الأسرة) يحترم الثقافة والأدب ينشأ لديهم -بشكل يبدو تلقائيّاً- ميلٌ إلى الأدب واحترامه، ومنحه قيمة عالية؛ وإذا بدر من أحدهم ميلٌ مميّز باتجاه محاولات إنتاج الأدب؛ فمن التلقائي أن يحظى ذو الميول الأدبية بتشجيع أسرته ودعمها، وأن يحظى أيضاً بمختلف صنوف الاحتضان والتشجيع والحثّ على المضيّ قدماً للأمام.
بعض المفاجئ أن يتقاطع ما ذهب إليه الشكلانيون الروس المنتمون إلى القرن العشرين مع ما ذهب إليه المثقفون العرب القدماء الذين تحدّثوا عن النسب الأدبي بمستوييه الجيني البيولوجي والثقافي المتعالي على البيولوجي والمتحرر منه؛ فجعلوا الزير وموهبته الشعرية أساساً, أو رأس خيط تابعه حفيده لابنته عمرو بن كلثوم؛ وكان بعضهم قبلئذ قد نسب إليه امرأ القيس الكندي الشاعر العربي الأقدم الذي وصلنا شعره كاملاً، جاعلاً إياه ابن أخت الزير. من المحتمل، أو المرجّح وجود شكّ ينتاب القرابة البيولوجية بين الزير وامرئ القيس، رغم قيامها في حيّز الإمكان، خلافاً لتوكيد القرابة بين الزير وحفيده عمرو بن كلثوم. وسبب الشكّ قائم في أنّ امرأ القيس (الكندي) ينتمي إلى الفرع اليماني القحطاني خلافاً لمعظم شعرائنا القدماء المنتمين إلى الفرع الشمالي المضري. وقد ربطت العصبية القبلية القديمة شعرنا القديم بالفرع المضري, نافين تمكّن أبناء الاستقرار الحضري (القحطانيين) من نظم الشعر رغم إقرارهم بوجود استثناءات, أبرزها امرؤ القيس الذي يجعلون موهبته العظيمة وراثة عن خاله الزير (المضري) وحسان بن ثابت الذي يجعلونه متأثّراً بمن صحبهم من شعراء البادية وعلى رأسهم الأعشى الكبير.
The post الشكلانية والنسب الأدبي appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.