تداعيات الحرب على سورية والتصدي لها أفرز تراكم خبرات عمليّة يمكن البناء عليها

الأزمات موجودة منذ بدء الزمن مع وجود الإنسان، لكن مع فارق يتمثل بشدة الحرب وطبيعتها والفارق المفصلي هو في كيفية التعامل وتحويلها لفرصة تخدم المجتمع والذي يطلق عليه اليوم في العلوم الحديثة إدارة المخاطر، وكي لا تبقى الحرب شماعة للعديد من الأخطاء قامت «تشرين» بتقصي العديد من المجالات التي أكسبتها لها الأزمة الحالية خبرة ومعرفة ورصيداً علمياً، مشكّلةً مؤسسات قوية.

وحسب الخبير الاقتصادي د.ماهر سنجر أضافت لنا الكثير سواء على المستوى الشخصي أو المعرفي، وعادةً ما يطلق مصطلح «ناقلو المعرفة» على الأشخاص الذين لم يغادروا دولهم في فترة الأزمات وذلك لاكتسابهم المعرفة الكبيرة كل في اختصاصه وموقعه، إضافة إلى الخبرة في كيفية التعامل مع الأزمات الاقتصادية والمجتمعية، فدور هؤلاء هو إعادة بناء الإنسان أولاً والعمل على الموارد المتاحة لإعادة بناء ما دمرته الأزمات.
وأحياناً يشار إلى هؤلاء -حسب د. سنجر- بما يسمى قوة العمل المعرفية أو «الجيش المعرفي» الذي هو داعم لكل قطاعات الدولة من خلال نقل المعرفة والخبرات إلى الآخرين وخاصة العائدين من الخارج أو الداخلين إلى سوق العمل من خريجي جامعات ومعاهد، فالأزمة لم تترك للشباب السوري الخيار إلا خيار القوة المعرفية.
وركز د.سنجر على اختلاف الشباب السوري اليوم بفكره وبقدرته على التحليل عما كان عليه قبل الحرب، وهذا ما يمكن وصفه بالموارد غير الملموسة للمساهمة في إعادة الإعمار، إذ انتقل الشباب السوري من مرحلة التفكير النمطي إلى مرحلة التفكير الإبداعي، فلابد من تأطير قوى العمل المعرفية «ناقلي المعرفة» من خلال أطر قانونية تنظيمية تحفز هؤلاء بالطرق اللازمة وتعمل على تعظيم نتائج أعمالهم والاكتساب من خبراتهم ليكونوا نواة سورية تنموية فاعلة وكفوءة بامتياز، وتساءل د.سنجر: لماذا لا نبادل خبرات قوة العمل المعرفية لدينا مع الدول الأخرى التي تحتاج تنمية، فالعقوبات والإجراءات الاقتصادية لا تغطي عملية التنمية، فيمكن لنا مثلاً أن نبادل العراق الشقيق «النفط مقابل التنمية» أسوةً بما تقوم به اليوم المنظمات الدولية أو أن نبادل السودان أيضاً «المنتجات مقابل التنمية»؟.
كما ونوه المسؤول العلمي في رابطة اختصاصيي التخدير وتدبير الألم الدكتور فواز هلال، بالظروف الصعبة التي وضع فيها كل طبيب، وبالأخص أطباء التخدير، ماولد مهارات متراكمة، فالحرب تضيف مهارات عملية ولكنها تبعد الطبيب عن الأجواء الأكاديمية، والطبيب عملي وأكاديمي معاً، وفي الأزمات هناك ضغط عمل كثيف يتيح لأي طبيب نوعيات مرض وإصابات معقدة، لا يمكن أن يحصل على خبرة كهذه في الحياة العادية، ناهيك بظروف عمل صعبة من كهرباء ومواد وأجهزة متهالكة في فترة لم نستطع ترميمها بسبب الحصار الاقتصادي الغربي أحادي الجانب الجائر على سورية، إلى أن تم الوصول لبدائل، مضيفاً أن حجم العمل النوعي وبظروف عمل ميدان راكم خبرات كثيرة لدى الطبيب، وهذه الخبرة إن لم توثق فإنها تضيع، من هنا اقترح د.هلال التوثيق من خلال تشجيع البحث العلمي ليكون موازياً للخبرة الطبية الكبيرة المكتسبة من الأزمة، فعلى سبيل المثال في أحد مؤتمرات رابطة التخدير كان هناك طبيب من مستشفى اللاذقية لديه معلومات هائلة من الخبرة لمصابين في العناية المشددة، حاول توظيفها في بحث علمي «خجول» وعرضت في المؤتمر، ولكن البحث العلمي لديه آلية وأساليب لا يمتلكها كل طبيب، فمهارة الطبيب العملية شيء وأسلوب البحث العلمي شيء آخر.
والحل -حسب د.هلال- في دعم البحث العلمي من مؤسسات وخبراء لتوثيق الحالات، لتصبح أبحاثاً للأجيال القادمة، لأن المعلومات راكمت للطبيب خبرة شخصية ستموت بموته إن لم توثق بشكلها الصحيح، فالجراحة الترميمية تطورت في الحرب العالمية الثانية، نتيجة التوثيق حيث نشأ علم جديد بسبب الحرب.
كما فرضت الحرب تعديلات في الكثير من القوانين والأنظمة لتواكب التبدلات التي طرأت على المجتمع السوري، فوزارة العدل -حسبما أوضح مدير إدارة التشريع السابق القاضي المستشار أحمد فرواتي- قامت بإعداد مشاريع الصكوك التشريعية التي تتناسب مع الأزمة، إضافة للمشاركة في إعداد الصكوك التشريعية لجميع الوزارات من مشاريع ومراسيم تشريعية.
واليوم تقوم الوزارة بإعداد النظام الداخلي لها، ومشروع تعديل قانون السلطة القضائية أيضاً، وهناك بعض المقترحات لتعديل القانون الذي ينظم العمل في وزارة العدل، بالنسبة للقضاة والعاملين في الوزارة، والسبب -حسب المستشار فرواتي- قدم القانون والتطورات التي طرأت على عمل السلطة القضائية، ما أوجب العمل على تحديث وإعادة صياغة، وإعداد دليل للصياغة التشريعية على مستوى القطر، كيف تصنع القوانين وكيف يتم إعدادها، بالتعاون مع بعض الوزارت الأخرى من دكاترة في القانون ومختصين ومن الجسم القضائي.
كما تحدث فرواتي عن الجرائم الجديدة، التي فرضت العديد من التعديلات على القوانين، فهناك بعض الجرائم تم إعداد مشاريع لها وتم إصدار قوانين وصكوك تشريعية تتلاءم مع الوضع الذي وصلت إليه الجريمة في ظل الأزمة، مثل جرائم الخطف بقصد طلب الفدية، إضافة للقانون 19 الناظم لعمل محكمة مكافحة قضايا الإرهاب.
وقانون الأحوال الشخصية تم تعديل جزء جيد منه بما يتلاءم مع واقع الحرب، من حيث المفقود والمخطوف، ما استدعى تعديل القانون بمواد جديدة تلائم المتغيرات، وكذلك مكتومو النسب هناك مشروع لوضع خطة معينة لهم.
وفي سياق متصل نوه الضابط في الأمن الجنائي الرائد محمد الحرث بأن مفرزات الحرب كانت كثيرة وازدادت جرائم على حساب أخرى، كجرائم الاتجار بالأشخاص والدعارة المنظمة، واختفت جرائم القتل بداعي الشرف، بسبب الوضع الاجتماعي الذي حصل في فترة الأزمة، كما توجه المسلحون لفئتي الأحداث والمرأة، إذ تمت تغذية جانب الإجرام للحدث، وكانت المرأة مضطهدة بشكل كبير ما دفعها للهرب واللجوء لأشخاص استغلوها في شبكات الدعارة المنظمة، ومنها شبكات بدأت من حماة وكانت ممتدة على كامل القطر، حيث عملت هذه الشبكة على استغلال المرأة بالدعارة .
كما نشطت تجارة الأعضاء وخصوصاً في المناطق الحدودية، إذ أصبح للجريمة فكر متنقل من المناطق التي سيطر عليها المسلحون إلى المناطق الآمنة، فانتشر فكر غريب عن المجتمع السوري.
من هنا انطلقت قوى الأمن الداخلي بالعمل ضمن منظومة إلكترونية، بتحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى أداة لاكتشاف الجريمة.
وعن انتشار المخدرات تم العمل على مكافحتها، مع العلم أن سورية بلد عبور فقط، ولكن تم «التفنن» -حسب تعبيره- بتهريب المخدرات، ما رافقه سرعة في العمل وإلقاء القبض على العديد من محاولات التهريب.
وما ميز عمل قوى الأمن الداخلي اليوم السرعة في إلقاء القبض على المجرم، فالتوجه اليوم للحد من الجرائم وخصوصاً الجرائم التي هي على تماس مباشر مع المجتمع، وتعزز أمن المواطن، فأي إخبار وإن كان كاذباً يتم العمل بسرعة لتقصيه ومعرفته، ما يساهم في الحد من العديد من الجرائم، بإلقاء القبض على المجرمين ومتابعة الفارين، فالمتابعة تساهم في بتر الجريمة.
ومن الجرائم التي ظهرت في المجتمع السوري وهي بنت الأزمة، جريمة الخطف بقصد طلب فدية، ما أوجب السرعة في عمل قوى الأمن الداخلي،و أدى لانخفاض هذه الجريمة أكثر من 50% منذ عام 2017. كما كانت لوزارة السياحة- بالإشارة لمصادرها- بصمة مميزة في دعم القطاع السياحي أول المتضررين من الأزمات وآخر المتعافين، ولكن العمل المتخذ أدى لنشاط هذا القطاع وتعافيه بشكل ملحوظ، وبهدف النهوض بالقطاع السياحي وإعادة ألقه في مرحلة ما بعد الحرب وضعت الوزارة رؤية متدرجة لمسارات تقوم على إبراز أعمق للبعد التنموي للسياحة، وصياغة مشاريع وبرامج خلال مراحل إعادة الإعمار تهدف لمعالجة مفاعيل الحرب على سورية واستعادة المكتسبات وتجاوز القيود التي قد تؤثر في أداء القطاع من خلال التوجه إلى الأسواق الصديقة، ومعالجة واقع المشاريع السياحية المتعثرة والمتضررة، وتفعيل وتطوير منتج السياحة الدينية، وتطوير البنية التشريعية والتنظيمية لقطاع السياحة، وتحديث منظومة التعليم والتدريب السياحي والفندقي ورفد سوق العمل بالكوادر المؤهلة.
إضافة للوصول بقطاع السياحة الداخلية والشعبية إلى أوسع شريحة ممكنة من خلال تجهيز بعض المواقع الاستثمارية بأسعار وجودة وخدمات مقبولة، وتخطيط الاستثمار السياحي بما يشمل التخطيط الشامل للأراضي المستملكة للوزارة في الساحل وتحويلها تدريجياً إلى فرص استثمارية، ومعالجة حازمة للتعديلات عليها، وإنهاء الملفات القانونية والمالية.
كما تم إطلاق استخدام الوسائل التسويقية الإلكترونية الحديثة في الترويج لسورية وتوظيفها في سبيل إعادة الثقة في الوجهة السياحية السورية لاستعادة مكانتها على الخريطة السياحية العالمية وعرض الأفلام والفواصل الترويجية على مواقع التواصل الاجتماعي ولاسيما (يوتيوب) والترويج الإلكتروني الفعال من خلال التطبيق الإلكتروني (visit Syria) واستخدام تقنية الترميز ثنائي البعد QR في أهم المواقع الأثرية كوسيلة تعريفية تمهيداً للزيارة، وتفعيل دور المغتربين كإحدى أدوات الترويج السياحي المهمة والداعمة وتشجيعهم على الاستثمار السياحي في سورية.

The post تداعيات الحرب على سورية والتصدي لها أفرز تراكم خبرات عمليّة يمكن البناء عليها appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the تداعيات الحرب على سورية والتصدي لها أفرز تراكم خبرات عمليّة يمكن البناء عليها on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.