مطران القدس هيلاريون كبوتشي

قامت دار دلمون الجديدة للنشر بمبادرة هامة بتكريم المطران هيلاريون كبوتشي على وقع «صفقة القرن» التي تُصفّى من خلالها قضية فلسطين، وذلك في احتفالية متنوعة عبر إصدار كتاب «ذكرياتي في السجن» لكل من سركيس أبو زيد وانطوان فرنسيس، التكريم الذي أقيم في مكتبة الأسد الوطنية وحضره نخبة من المفكرين والإعلاميين ورجال الدين.
وعبر هذه الاحتفالية قُدمت قراءة لمواقف المطران عبر حياته وكيف تجاوز دوره الوظيفي كأسقف لمدينة القدس مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية في مواجهة العدو الإسرائيلي وانخراطه في صفوف المقاومة، وكيف شهد مراحل ولادتها الأولى مدفوعاً بوعي فكري ورؤية ثاقبة للخطر القادم في سياق المشروع الاستعماري الذي ما انفك يستهدف الأمة العربية، ويعيث فيها تقسيماً وتجزئة منذ قدّر لها أن تواجه وعد بلفور.. فقد استطاع المطران كبوتشي أن يواجه ظلام السجون وعذابات المنافي بعيداً عن الأرض التي عشق وكانت له بمنزلة الأم.
وفي لحظة تاريخية جمعت الباحث سركيس أبو زيد مع الكاتب انطوان فرنسيس بصداقة طويلة مع المطران، بدأت على مقاعد الدراسة في مشروع أفضى إلى تدوين مذكرات مطران القدس في محاولة للإحاطة بتجربة نضالية قلّ نظيرها على مستوى العالم، نتج عنه حصاد فكري ثقافي ونضالي تجسد في كتاب «ذكرياتي في السجن» ليكون أمانة ومرجعاً للباحثين عن الحقيقة والمؤمنين بجدوى المقاومة وعدالة القضية وفيه من المواقف والذكريات ما يجلو العتمة عن العقول وينتصر للحرية وللأرض وللإنسان..
عرض في البداية فيلم توثيقي، استعرض من خلاله سبب اختيارها للثور المجنح رمزاً لها ورمزيته عبر الحضارات القديمة، وكيف جسّد مفهوم القوة الكامنة برأس إنسان وأجنحة نسر وجسم أسد وحوافر ثور، لتحقق معادلة الكمال بين القوة والحكمة والمجد والعزة والشجاعة والإقدام والتي امتدت عبر مختلف الحضارات.
تلاه فيلم «ابن الأرض» الذي وثّق بالصورة والصوت أهم المحطات النضالية في تاريخ المطران، وكيف أطلق الاحتلال الاستعماري سراحه كي لا يتحول إلى قديس، وأهم الأماكن التي أقام فيها ودعمه للمقاومة ومشاركته في كسر حصار غزة عام 2010.
ثم ألقت مديرة الدار عفراء هدبا كلمة عن الكتاب الذي أصدرته «ذكرياتي في السجن» للباحث سركيس أبو زيد والكاتب انطوان فرنسيس، لافتة إلى أن هذه الشخصية ليست شخصية دينية بل تجاوزت الرسالة الكهنوتية المتعارف عليها للبطاركة والآباء، في الدفاع عن حق الشعوب وكرامتهم والوقوف بوجه المحتل منذ لحظة تسلمه كنيسته في القدس حتى وفاته، ولم يتوانَ عن الدفاع عن فلسطين أو عن سورية أو أي بلد عربي، فكانت قضيته الإنسان وهذا ما جعله شخصية عالمية تجاوزت حدود الوطن الواحد، ومن يقرأ الكتاب سيعرف فحوى الرسالة التي قدمها عبر مسيرة حياته..
من جهته عبّر الأب إلياس زحلاوي أن من حقّ المطران هيلاريون كبوتشي، ومن واجبه في آنٍ واحد، أن يكون مقاوماً وإلاّ فقد كان عليه أن يتنحّى ويعتزل! وأشار إلى أن ذنبه لم يكن في أنه قاوم بل كان ذنبُه «الذي لا يُغتفَر»، في أنه قاوم الصهيونية وإنّها لَخطيئةٌ لا مغفرة لها من منظور الكنيسة الغربية، وعقدة ذنبها الرهيبة، والدليل على ذلك أنّ المقاومة في غير فلسطين بطولة يُكافَأ عليها بعضهم من قبل الكنيسة الكاثوليكية إيّاها، ومثّل على ذلك بالمطران الألماني «كليمنت فون غالن» الذي اشتُهر بمقاومته الصريحة لهتلر، وهو على رأس عمله في مدينة مونستر، حتى إنه لُقِّب بـ«أسد مونستر». وأضاف كان المطران مقاوماً ومدافعاً عن القدس التي ارتبط اسمها باسمه، وأراد أن ينقل للناس قيم السيد المسيح التي تدعو إلى المحبة والتسامح والعيش المشترك، وأن يكون الإنسان مدافعاً عن كرامته وتاريخه ووجوده.
وأشار الكاتب أنطوان فرنسيس إلى أن هذا الكتاب تحية لروح المطران وهو يحوي مذكرات رواها المطران له وللباحث سركيس أبو زيد بعد عامين من خروجه المعتقل، وأضاف: إن هذا الكتاب خرج إلى النور بعد وفاة المطران الذي أمضى حياته مدافعاً عن فلسطين، وقد تم تأجيل نشره لكونه تعرض لضغط كبير من الفاتيكان التي عملت على إطلاق سراحه، وتعهدت لـ«إسرائيل» التزامها بمنعه من أي نشاط سياسي أو نضالي في سبيل القضية الفلسطنية طوال إقامته في روما، وعدّت الكنيسة الكاثوليكية أن نشر المذكرات سوف يُعّد طعناً بمصداقيتها، وسوف يُسبب لها مشكلات كثيرة على الصعيد الدولي، لذلك آثر الفاتيكان أن يتجنبها بعدم نشر الكتاب، علماً أنه لم يوثق أي كتاب سيرة حياته داخل المعتقل، وبيّن الباحث سركيس أن هذا الكتاب يتضمن معلومات قيمة وغير معروفة، لذا آثرنا نشره كي ننقل المآثر التي قدّمها المطران لخدمة نهج المقاومة الذي اتخذه منذ اللحظة الأولى لدخوله فلسطين لحين وفاته.
وأوضح أبو زيد أن الدور الكبير الذي قام به المطران جاء بعد احتلال «إسرائيل» للضفة الغربية عام 1967، بعدها تحول مطران المحبة والسلام إلى ثائر ضد الاستبداد بتأسيسه أول خلية في المدينة المقدسة متخذاً من عباءته الكهنوتية درعاً لمقاومة سلطات الاحتلال، وانتقل دوره من راعٍ للأبرشية إلى همزة وصل بين المقاومين في الداخل وقياداتهم في الخارج، الأمر الذي دفع بسلطات الاحتلال إلى سجنه، حينها تدخل الفاتيكان لإخراجه، ونوّه أبو زيد كيف تعاون مع صديقه أنطوان فرنسيس لتسجيل ذكريات المطران من الولادة حتى السجن وكيف تمت صياغتها بإشرافه شريطة نشرها بعد وفاته، نظراً لما تحمله مسيرته من عبر وحكم للأجيال القادمة، خاصة أن المطران كبوتشي أعطى بنضاله من أجل القضية الفلسطينية بعداً قومياً وإنسانياً، وكيف كان رمزاً للحياة المشتركة،فبقدر ما كان مطراناً مسيحيا كان مسلماً لرب العالمين وكان مع الحوار الإسلامي المسيحي ومع القضايا الإسلامية المحقة.
وتحدّث صديق المطران كبوجي الكاتب حسن حمادة أن المطران كان يقول: إن «الأراضي المقدسة تظل مقدسة إذا ما بقي أهل فلسطين في هذه الأراضي، وإن استمرارهم فيها هو الذي يعزز ويثبت صفتها المقدسة»، وحكى عن قناعات المطران التي كان يعبّر عنها باستمرار بأن الله أنعم علينا بـ«لاهوت قومي» يتمثّل بالرسالتين المسيحية والمحمدية، واستذكر حمادة بعض ما قاله المطران بأن أجمل لحن سمعه في حياته هو صوت أجراس الكنائس والآذان من مساجدها، ودعا حمادة إلى ثورة ثقافية على صعيد المفاهيم لتحقيق المعادلة النضالية التي سعى إليها المطران في حياة القضية الفلسطينية.
وبيّن عضو مجلس الشعب نبيل صالح أن الطريق إلى فلسطين كدرب الجلجلة بينما القضية صليبنا الذي نمتحن به كل يوم وأن القضية الفلسطينية كانت قبلتنا ومشروعنا الثوري، وأخلصنا لها كسوريين وحملنا لواء المقاومة منذ أيام عز الدين القسام مروراً بالمطران كبوتشي ولم يتمكنوا من كسر إرادة المقاومة لديه بالسجن بل شكلّت جوهراً لنضاله الإنساني، فحاصر حصاره وهزم سجانيه، ووحد مشاعر الأمة على اختلاف قومياتها وأديانها.

The post مطران القدس هيلاريون كبوتشي appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the مطران القدس هيلاريون كبوتشي on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.