ترك تحرير مدينة معرة النعمان من رجس المجموعات الإرهابية المسلحة فرحة كبرى لدى المواطن السوري عامة نظراً لما تشكله المدينة من موقع استراتيجي مهم إذ إنها تقع على الطريق الدولي حلب – دمشق.
معرة النعمان .. كما بدت اليوم بعد التحرير خالية من التنظيمات الإرهابية المسلحة.. وخسائر تلك التنظيمات غير معروفة لكن خلو شوارع المدينة من جثثها دليل واضح على فرارها أمام إصرار الجيش العربي السوري على تطهير كامل المحافظة من دنس الإرهاب.. إن فرار المجموعات الإرهابية من أمام بواسل الجيش العربي السوري مثّل لغزاً آخر وعلى الأرجح فروا الى الشمال حيث أقامت تركيا لهم معسكرات هناك .
يقول عضو هيئة المصالحة الوطنية عمر رحمون في تصريح لــ«تشرين»: معرة النعمان هي ثاني أكبر مدينة في محافظة إدلب، وهي المدينة الأهم علمياً وفكرياً وتاريخياً. لأنها تقع على الطريق العام الذي يصل حلب بدمشق، وتشكل عقدة مواصلات، وأيضاً كانت, مؤخراً, تشكل مقراً متقدماً لـ (جبهة النصرة)، ولذلك فإن تحريرها يعني تقريباً تحرير كامل محافظة إدلب، وفتح الطريق بين حماة -حلب الذي مضى على قطعه سبع سنوات حتى الآن . وقال رحمون: لكوني أعمل في مجال المصالحة عرضت على الفصائل التي كانت تسيطر على معرة النعمان الصلح أكثر من مرة كالصلح الذي تم توقيعه في حلب لكن ذلك قوبل منهم بالرفض وكانوا يتوعدون بمعارك حامية ،لكن كلمة الجيش العربي السوري كانت الأعلى عندما قام بتحرير معرة النعمان.
الدخول إلى مدينة معرة النعمان، مركز المنطقة التي تحتل ربع مساحة محافظة إدلب يشبه الوصول إلى مدينة مهجورة أو منطقة أشباح؛ وخاصة أن 50 في المئة من أحياء المدينة تعرض للدمار بفعل الإرهاب و الممارسات التي ارتكبتها المجموعات الإرهابية.
لدى التجول عبر الطرق الفرعية التي عملت فرق الهندسة في الجيش العربي السوري على إزالة الألغام والعبوات الناسفة منها، بين تلك الأحياء التي لم يتبق منها أي شيء، يجد الزائر نفسه كأنه في واحد من تلك المشاهد السينمائية الأكثر رعباً في فيلم من أفلام الحرب العالمية الثانية، أو شريط يصور اليوم التالي لمدينة غزتها مجموعات هي الأكثر همجية عبر التاريخ.
على مسافة 100 كيلومتر غرب جنوب حلب تقع مدينة معرة النعمان، منفتحة على حقول القمح وبساتين الزيتون والفستق الحلبي في خان شيخون، وهي بوابة الثقافة والسياحة باتجاه العاصمة دمشق.. الطريق إليها أصبح سالكاً بعد ما تحررت مدينة خان شيخون من سيطرة التنظيمات الإرهابية في شهر آب الماضي، وبعد عمليات رفع الألغام والعبوات الناسفة من الطريق الدولي الذي يربط مدن الشمال بمدن الجنوب كدمشق، برغم أن هذا الطريق يحمل آثاراً واضحة من بقايا آثار المتفجرات والعبوات الناسفة التي تظهر على شكل فجوات ومطبات متواصلة تذكر المسافرين باستمرار بما تعرض له من اعتداء وقطع حيث عملت المجموعات الإرهابية على تخريب الطرق وقطعها.
من بوابة الشارع الرئيسي ندخل لمدينة معرة النعمان حيث متحف المعرة الشهير والمركز الثقافي الذي يضم ضريح أبي العلاء المعري، إذ لا تخلو أي بناية سكنية أو تجارية من آثار الرصاص أو القذائف الصاروخية (آر بي جي)، والأبنية الحكومية التي سلمت من الدمار الكامل قليلة عموماً. الحياة تدب ببطء، والشارع الوحيد الذي يقود إلى مركز معرة النعمان، حيث المتحف، الذي بدأ يشهد حراكاً عسكرياً ومدنياً بهدف الاطمئنان على محتويات المتحف هذا المتحف الذي كان شاهداً على الإرهاب الذي دمر المدينة وصادر خيراتها وخرّب وعبث في حضارتها. وأفاد مسؤولون محليون بأن مسلحي المجموعات الإرهابية بدؤوا منذ سيطرتهم على مدينة معرة النعمان بتدمير آثار المنطقة ومنها متحف المعرة وتمثال أبي العلاء المعري وضريحه الذي يتوضع في المركز الثقافي وضريح عمر بن عبد العزيز في قرية ديرشرقي وغيرهم.
وقال مدير آثار ومتاحف إدلب غازي علولو في تصريح صحفي: بعد تحرير معرة النعمان من قبل الجيش العربي السوري تمت على الفور معاينة متحف المعرة الشهير حيث تبين أن المتحف تعرض للكثير من التخريب مثل الرواق الشرقي، والرواق الشمالي على أيدي المجموعات الإرهابية المسلحة، ولفت علولو إلى أن 90% من اللوحات الفسيفسائية التي يضمها متحف المعرة سليمة وإن كانت بعض اللوحات تعرضت لتخريب جزئي حيث عمل العاملون في المتحف على تدعيمها بأكياس الرمل وإخفاء الكثير من المقتنيات عن أنظار المجموعات الإرهابية المسلحة. فيما عدّ مدير سياحة إدلب ميمون فجر الاعتداء على المكونات الأثرية والثقافية في معرة النعمان من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة تدميراً متعمداً للإرث الحضاري و جريمة حرب، وناشد المجتمع الدولي أن يتصدى لهذا العمل الهمجي، وخصوصاً أن متحف معرة النعمان يقع تحت مظلة (اليونيسكو)، وكان في السابق خان مراد باشا إلى أن صدر مرسوم برقم 144 تاريخ 8/ 2 / 1983 بتحويله إلى متحف محلي يضم آثار المنطقة.
وحسب مصادر محلية فإن متحف المعرة لا يمتاز بأجنحته وأقسامه وطرازه الجميل فحسب بل يمتاز بمعروضاته الأثرية واللوحات الفسيفسائية التي تعد بحق سجلاً حافلاً للفن العمراني البديع والتاريخ المجيد ويجد زائره من المتعة والسرور والإعجاب ما لم يجده في متحف آخر, وتعد الفسيفساء أهم المعروضات في متحف المعرة.
وأشار المهندس فادي السعدون- نائب رئيس المكتب التنفيذي لمحافظة إدلب إلى أن المحافظة اتخذت إجراءات عديدة لاستقبال الأسر الوافدة من معرة النعمان وريفها إلى محافظة حماة وعمل الجيش العربي السوري على تأمين خروجها إلى المناطق الآمنة, حيث عملت محافظة إدلب ممثلة بالقيادة السياسية والتنفيذية التي تتخذ من محافظة حماة مقراً مؤقتاً لها على تأمين إقامة لهم.
وأضاف: «محافظة إدلب» شكلت منذ بداية عمليات النزوح فريق عمل لاستقبال الأسر وتأمين السكن لها وتدبير احتياجاتها… ويستمر فريق العمل التابع للمحافظة في متابعة احتياجات الأسر الوافدة وكذلك في استقبال أي أسر جديدة تصل إلى مدينة حماة.
ويعلق الكثير ممن التقيناهم على هامش تحرير معرة النعمان ونحن نشاهد صور الخراب التي خلفها الإرهابيون قائلين: «المعروف عن أهالي معرة النعمان أنهم عنيدون ولا يستسلمون بسهولة وسوف يعيدون بناء بيوتهم إذ لا خيار آخر لهم. هم لا يرضخون لذل المخيمات التركية ومتمسكون بمدينتهم، يساعدهم في ذلك أن أوضاعهم المادية جيدة، فبينهم التجار والمستثمرون في جميع أنحاء سورية كما إنهم متكاتفون مع بعضهم ولا يتخلون عن أبناء بلدهم.
في طريق عودتنا ونحن نقطع المسافة ما بين معرة النعمان ومدينة حماة، كنا نراقب إصرار الأهالي على العودة لمحافظة إدلب ومدنها التي أكل الإرهاب الأسود 80 في المئة منها.
فعلى حافة المدن والبلدات المحررة ما بين معرة النعمان وخان شيخون، نشاهد بارقة أمل حيث يشتغل عمال البناء لإعادة إعمار بيت كان مخرباً. كان صاحب البيت يساعد العمال وهو يجيب عن سؤالنا حول حجم الخراب الذي كان يعانيه بيته، فقال: «كان البيت مدمراً بالكامل تقريباً، ومنذ عودتي مع عائلتي قررت إعادة بنائه لأننا عانينا من ذل النزوح وهجرة بلدتنا»، مضيفاً: كنا مقيمين في حي من أحياء مدينة حماة ولم نذهب إلى المخيمات التركية حفاظاً على كرامتنا وراحة عائلتي. كنا ننتظر بفارغ الصبر تحرير معرة النعمان والقرى المحيطة والعودة إليها والشروع ببناء بيتنا، راجياً عدم تأخر الخدمات الضرورية كالكهرباء والماء والاتصالات .
إن فرحة الناس هناك بتحرير معرة النعمان جعلتهم ينسون برد الشتاء وزمهريره، والسيارات تشق الشوارع ولو بإيقاع بطيء، لكنه إيقاع عودة إدلب إلى حضن الوطن.
مسار تحرير إدلب يتحقق تدريجياً ومن يرى جنود الجيش العربي السوري في ساحات القتال يقرأ ذلك في عيون كل جندي, نقولها بثقة تامة: الجيش العربي السوري قادم لتحرير كامل إدلب من دنس الإرهاب لتكون الضربة القاصمة والنهائية للإرهابيين في سورية.
The post «تشرين» تتجول في معرة النعمان .. التحدي والانتصار appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين



Note: Only a member of this blog may post a comment.