لاتكاد تمر ثوان قليلة بعد كل اعتداء إرهابي في أوروبا حتى يتأكد أمران اثنان: أولهما أن منفذ العملية الإرهابية يحمل الجنسية الأوروبية لكنه من أصول عربية، والأمر الثاني أنه تدرب أو شارك في القتال بصفوف التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق.
سنوات قليلة كانت كافية لكشف النفاق السياسي الأوروبي في مجمل قضايا الشرق الأوسط، فالتصفيق والتهليل لما سمي «الربيع العربي» تحولا فجأة إلى تحذير وتهويل، والشعوب المطالبة بـ«الحرية» أضحت خطراً على الأمن، ويا سبحان مغيّر الأحوال «الثوار» نفسهم بخروجهم ذهاباً أصبحوا إرهابيين بعودتهم إياباً!.
عاد شبح الإرهاب بعد فترة من الرخاء والسلام ليقض مضاجع أوروبا. الكثير من الدول الأوروبية رفعت حالة التأهب إلى أقصى الدرجات، حيث لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتصدر نشرات الأخبار عمليات أمنية .. مداهمات واعتقالات، أما التفجيرات وعمليات القتل والدهس فقد تحولت إلى زاوية اعتيادية في الصحف الغربية.
تأتي التهديدات الإرهابية لتصيب في الصميم الحياة اليومية للأوروبيين، فالإرهاب لم يعد يستهدف كما في السابق المراكز السياسية والمقار الحكومية فقط، بل أضحت جميع مناطق تجمع المدنيين ضمن أهدافه المعلنة بدءاً من الساحات إلى المطاعم والمحال التجارية وغيرها، ما دفع الجهات المعنية إلى اتخاذ الكثير من الإجراءات الاستثنائية كنشر قوات الجيش في مترو الأنفاق والمرافق العامة وإغلاق مداخل الساحات والشوارع الكبيرة بالحواجز الإسمنتية وصولاً إلى التفتيش الدقيق للناس في مختلف النشاطات الرياضية والحفلات الفنية وغير ذلك، وتعكس هذه الإجراءات حجم خطورة المرحلة والقلق الأوروبي الكبير، وخصوصاً في ظل التقارير الاستخباراتية عن تصاعد عدد الإرهابيين الأجانب العائدين إلى أوروبا بعد انضمامهم إلى التنظيمات الإرهابية وإجرامهم في سورية والعراق، وأغلبهم يحمل الجنسية الأوروبية رغم أصولهم العربية، مستغلين حرية الحركة بين الدول الأوروبية وفي أحيان أخرى الهجرة غير الشرعية لتجنب الملاحقة.
إن ما قاله وزير الداخلية الإيطالية ماركو مينيتي بشكل واضح وعلني من أن «حوالي ثلاثين ألف أجنبي قاتلوا في سورية والعراق، وعلينا ضبط حدودنا خوفاً من عودتهم إلى أوروبا وانضمامهم إلى المجموعات الإرهابية» يفسر سر التغيير الظاهري لمواقف بعض الحكومات الأوروبية من الأزمة في سورية ومحاولتهم فتح قنوات أمنية واستخباراتية مع دمشق.
العديد من الأحزاب الأوروبية تطالب حكوماتها الآن بإعادة النظر في سياساتها تجاه الشرق الأوسط، وخصوصاً بعد تكشف الازدواجية في التعامل مع التنظيمات الإرهابية من دعم وتسليح علني، ودور دول حليفة للأوروبيين في تمويل الإرهابيين وتسهيل عبورهم إلى الأراضي السورية، كما تطالب هذه الأحزاب بالدخول مع روسيا في حلف مشترك لمحاربة الإرهاب بشكل جدي.
وبعيداً عن الأماني والمطالب، وفي ظل عدم وجود سياسة خارجية واضحة موحدة للدول الأوروبية، وأغلبها محكوم بالمصالح المتناقضة والشأن الداخلي والحسابات الانتخابية، وانعدام التنسيق الاستخباراتي المشترك والفعال، فإن الإرهاب يمثّل أكبر تهديد للاتحاد الأوروبي منذ نشأته.
ويبقى التحدي الأهم في تمكن الدول الأوروبية التي لم تستطع أو لم ترغب رغم إمكاناتها وقدراتها الأمنية الكبيرة بمنع كل هؤلاء الإرهابيين من السفر من وإلى أوروبا وإيقاف زحف الموت العائد من الشرق.
namantarcha@gmail.com
The post الموت العائد من الشرق appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.