الكتابة بالعامية وأثرها في الذائقة واللغة الفصحى

المدقق في كتابات بعض الشعراء الذين عرفوا بكتابتهم الشعر بالفصحى وإصداره ضمن دواوين، سيلاحظ أن الشعر الذي يُكتب بالمحكية، من قبلهم، يتم نشره فقط في صفحاتهم الخاصة على الـ«فيس بوك»! ولأجل هذا توجهت «تشرين» للشاعر عبد النبي التلاوي وللشاعرة أميمة إبراهيم، بالسؤال الآتي: متى بدأتم كتابة الشعر بالمحكية، ولماذا لا يلقى الاهتمام الذي تولونه للشعر بالفصحى، برغم أن ما تكتبونه يلقى صدى طيباً؟ وهل سنقرأ شعركم بالمحكية في كتاب؟.
سحر ودهشة
يستهل الشاعر التلاوي إجابته بالقول: «يعود اهتمامي بشعر اللغة العامية إلى أيام المراهقة إذ كنت أحب هذا اللون من الشعر وأكتبه، كنت أراه الأقرب إلى قلوب أصدقائي وكنت قرأت في تلك الأيام فرسان الزجل اللبناني وشعراء العامية السوريين عيسى أيوب وجورج عشي وغيرهما، وعلى التوازي كنت أحفظ معظم قصائد المتنبي في تلك الأيام والبحتري وأبي تمام وأنسج على منوالهم». والتلاوي كتب قصائد عمودية من دون أخطاء عروضية تذكر، وذلك قبل أن يدرس في المرحلة الثانوية بحور الشعر وأوزان الخليل. وبرغم اعتقاده أن في شعر المحكية سهولة في الكتابة ودهشة في الصورة تسحر السامع لأنها تعتمد على الإلقاء أكثر من القراءة، لكنه يعتقد أيضاً أن في شعر الفصحى دهشة لا تعادلها دهشة وأنت تستمع إلى شاعر موهوب أو تقرأ له على حد سواء. ويتابع قائلاً «لئن كان شعر العامية يعفي الشاعر من إجادة علم النحو أو تشكيل أواخر الكلمات قراءة وكتابة فإنني وجدت في شعر الفصحى تحدياً أكبر وعمراً أطول للقصيدة وشاعرها في أذهان الناس، لذا توجهت بكل اهتمامي إلى قصيدة الفصحى وقد شجعني حصولي على جائزة فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب، فكان ذلك أول عهدي بالانتقال من القصيدة العمودية إلى قصيدة التفعيلة فطمأنت روحي إلى أن ما أكتبه كان شعراً وليس شيئاً يشبه الشعر كما كنت أظن. وبقي شعر العامية عندي مقتصراً على جلساتي مع الأصدقاء وكان للارتجال فيها لذة لا تعادلها لذة على أن هذه الحرب المدمرة التي أفنت الشجر والحجر وشوهت أرواح وقلوب من بقي من البشر، جعلتني أبكم شعرياً، ولولا مناشدة صديقي النبيل الشاعر حسان الجودي بفتح حساب على «فيس بوك» ونداءاته المتكررة وإلحاح ولدي ماهر، وبعض الأصدقاء، وقيام بعضهم مشكوراً بنشر قصائدي على صفحته مع ذكر اسمي طبعاً لكنت في عداد المفقودين شعرياً».
عودة السنونو للقلب
ولأن الشاعر التلاوي لم يكن راضياً عن معظم ما كتب فقد استنجد كما يقول بحبيبته القديمة قصيدة العامية فكتبها ونشرها على صفحتي «الفيسبوكية» محاولاً عن طريقها العودة إلى لياقة القلم وسيولة الحبر بين أصابعه. لكن وبرغم ذلك يقول: «لا أظنني يا صديقي أنوي جمع قصائدي العامية في كتاب أو طباعتها وأنا الذي تركت مخطوطتين بالفصحى أعدهما من أجمل ما كتبت نهباً للضياع بعد أن خرجت من بيتي هارباً من ويلات هذه الحرب المجنونة التي نتمنى أن تنتهي قريباً، وقد مرت عليها سبع سنوات ذقنا وذاق الشعب السوري فيها ملوحة الدم والدموع، مستبعداً فكرة طباعتها ولاسيما أن قصيدة الفصحى عادت عودة السنونو لتسكن قلبي وقلمي كما اعتادت».
جرس كنيسة
الشاعرة أميمة علاقتها بالقصيدة المكتوبة بالمحكية – حسب قولها- قديمة من حيث الاستماع والإلقاء، تعود إلى أيام الدراسة الإعدادية والثانوية، إذ «كنت أستمع إلى طلال حيدر وعيسى أيوب وميخائيل عيد وغيرهم وألقي القصائد في الاحتفالات المدرسية، لكني كتبتها متأخرة جداً قياساً إلى الكتابة بالفصحى. وهي تحضرني من غير موعد فألاقيها بالحب وأتمسّك بها كي لا تفلت مني وتبقى قريبة من روحي. أنشرها في الفضاء الإلكتروني وأفرح إذ أراها مرغوبة ومحبوبة من القارئ. وأتابع على صفحات التواصل كلما تيسر لي ما ينشر من الشعر الشعبي». لكن ما علاقة هذا الشعر بجرس كنيسةٍ؟. تقول أميمة: «الشعر المحكي سيكون مع الأيام جزءاً من تراثنا وموروثنا الشعبي. وهو إضافة إلى هذا شعر سلس يلامس الوجدان يشبه جرس كنيسة أوان عرس مفرداته شفافة تترك لدى سامعها وقعاً طيباً. في طبيعتنا الجميلة الكثير من المفردات الساحرات التي تتسلل إلى الشعر الشعبي فيصير لصيقاً بالروح، ويعود السامع طفلاً تهدل أمه له بالحكايا والأهازيج».
رهيف الروح
وتشير أميمة إلى أن لكل منطقة في سورية لهجتها الشعبية وتالياً قصيدتها الشعبية التي تنبثق منها وتشبهها، أي ثمة غنى في هذا اللون الإبداعي، لكنها تأسف لمحاربة هذا الشعر، في حين أن في معظم دول العالم يدرّسون التراث الشعبي في الجامعات بوصفه جزءاً مهماً من ذاكرة الأمم. وهي ترى أن التشجيع للشعر باللهجة المحكية لا يتعارض مع الشعر الفصيح فلكل مقام مقال. ومع ذلك، فهي «متعصبة للفصحى وللحديث بها في الصف خلال الدرس وفي الأماكن الرسمية. لكنّ للقصيدة باللهجة المحكية سحراً غامضاً، جربتها في أماكن غير رسمية… في ملتقيات ثقافية أهلية وفي جلسات غير رسمية وعلى صفحات التواصل ووجدتها قريبة من قلوب سامعيها، ففيها أصواتهم الداخلية، مفرداتهم الحياتية. واستمعت في مراكز ثقافية بدمشق إلى أصوات شعبية بمختلف اللهجات وكان الحضور جميلاً ومتفاعلاً ومن مختلف الشرائح الثقافية والعمرية». ولا تخفي الشاعرة أميمة أمنيتها بطبع ديوان باللهجة المحكية، وإن كانت نسخ أي كتاب لأي كاتب تذهب هدايا. ولكن إن فكرت جدياً ستحاول «أن يكون بخط اليد… لا أدري …أقول ربّما إذ إني أزعم أن خط اليد يتناغم مع المحكي أكثر من غيره. وحتى يأتي ذلك الوقت سأنشر بين الحين والآخر على صفحة التواصل الاجتماعي بعض رهيف الروح».
اقتراح لهيئة الكتاب
لعل اعتناء الهيئة العامة للكتاب بما يُكتب من شعر بالمحكية وتخصيص 5 مطبوعات سنوياً ضمن خطة نشرها للشعر سيحفظ نماذج جيدة منه تستحق الاهتمام. ولا نعتقد أن الاهتمام به سيخلُّ بمكانة اللغة العربية، فهي به قد تغتني، ولاسيما أن بعض الصحف العربية تنشره منذ سنوات من دون أن يؤثر هذا – وفق ما نزعم- في الفصحى.

The post الكتابة بالعامية وأثرها في الذائقة واللغة الفصحى appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the الكتابة بالعامية وأثرها في الذائقة واللغة الفصحى on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.