من أجل المستقبل

الفن ضد الحرب مهما اختلفت أنساقه الجمالية أو أشكال إبداعاته أو تلقيها من المشاهد، أو الناقد، أو المبدع على حدٍ سواء، لكونه لن يستطيع مغادرة الحيز الجمالي المنوط به، مثلما لن يستطيع مغادرة موقعة كجندي مهمته الدفاع عن وطنه وشعبه ومن ثم الإنسانية التي هو جزء منها، وبالوقت نفسه ومثلما لا نستطيع فصل الجندي عن مبرر وجوده، لذلك لا نستطيع فصل الفن عن الحرب، أو بعبارة أخرى لن نستطيع فصله عن معطيات الصراع الأزلي بين الإنسان والإنسان، الظالم والمظلوم، أو الطبيعة بكل مقوماتها والإنسان الذي يخشى الفناء. والرسومات في الكهوف التي تصور الصراع مع الإنسان والمخلوقات المتوحشة الأخرى، أو صراع الإنسان مع المخلوقات التي كان يشكل اصطيادها مصدراً لسلامته النفسية والجسدية، هي دليل على مهمات الفن الأزلية في نفوس البشر، ومن هنا نريد القول: إن الفن استبق كل مبتكرات البشرية، وسيمضي إلى آخر معارفها كدليل على أن الإنسان مازال يمتلك هذا السلاح ضد دعاة الحرب، يقول «أرنست ليفي»: «ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء، أو الكيمياء، أو المال».. وكأن «أرنست» يريد أن يقول إن الفن هو ملاذ البشرية الأخير لصد هجمات أداة الحرب، بشرط أن نكون جديين بالتعاطي معه، بمعنى إن البشرية لم تتعامل بجد مع الفن، وهذا سبيل انتكاساتها المستمرة، وهذا أيضاً يعود إلى أن البشرية مازالت تعتبر – حتى في المجتمعات الأكثر رفاهية – أن الفن كذبة وحالة من حالات التسلية أو المتعة الفردية، أي إنه لا يدخل في عملية الارتقاء بالمجتمع بالمعنى الآني، كالاكتشافات الأخرى، وهذا قد يكون صحيحاً إذا نظرنا إليهما بعين العادل وضرورة وجودهما معاً، بفارق أنّ السابق لا نستطيع معاينته بالنشاط اليومي المعتاد، بينما اللاحق نعيش تفاصيله اليومية بالشكل الأمثل، سواءً أخذنا بيقينيّة تلك التفاصيل في عملية الاستقرار، الاستمرار، الاستنهاض، أو اختلفنا مع البعض منها لما تمليه آنيتها على الفرد والمجتمع من أعباء قسريّة وملزمة على التعايش معها، مهما كان موقفه منها، وأيضاً عند خلوها من النزعة الجمالية المتأصلة في النفس البشرية والمنتجة أبداً للفن، وهذا ما يجعل المعادلة متكافئة بتناقضاتها بين دور الفن الجمالي والاستباقي، وبين المنجز المادي اللاحق والمتوفر في تفاصيل كلّ عصر، بالمقابل فإن وفرة اللاحق وواقعيته هي من تجعل اليقينية بعدم جدوى الفن ولزومه أمراً واقعاً وخاصة في زمن التحولات الكبرى الّتي تعصف سلباً بالمجتمعات الأقل تقدماً، وتبعد عنه الحاجة الجمالية كمحفز لتطوره، يقول بيكاسو: «الفن ليس الحقيقة، إنه كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة»، وهذه هي الضرورة القصوى التي نحتاج إليها في عالم أصبح متخماً بالحروب والمتناقضات، لكونه الشرط النهائي لكل شيء على حد قول «سوزان سونتاج». أي إنه المعنى الحقيقي لكل التحولات البشرية، بينما المعني بتلك التحولات وتحفيزها وتعميمها، يتابع البحث عن أنساق جديدة للفن، وتطوير الكلاسيكي منها، مع توفير التحفيز للمبدعين والنقاد والباحثين بين خفايا الأعمال الفنية عن سبل لمتابعة تطوير علم الجمال بصفته المشكلة لحالة جدل في الماضي والحاضر والمستقبل الإنساني، وبصفته علماً استباقياً أيضاً يدل على طموح أيّ أمّة ومدى تقدمها، وهذا ما دفع فلاسفة عصر النهضة الأوروبية إلى إعادة الاستفادة من تلك الأفكار الفنية السابقة وصياغاتها بما يلائم الحاضر والمستقبل لمقاومة الاستعباد والقهر الاجتماعي اللذين كانا سائدين في المجتمع الأوروبي حينها، كما نحن الآن، بفارق أنهم اعتبروهما الخطوة الأهم لصناعة مستقبل أفضل.
fatehkalthoum@gmail.com

The post من أجل المستقبل appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the من أجل المستقبل on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.