«دراسات في اللسانيات التطبيقية» ميدان تلتقي فيه مختلف العلوم اللغوية

في كتابه «دراسات في اللسانيات التطبيقية» يقدم هايل الطالب عدداً من القضايا اللسانية التطبيقية، فيتوقف عند دلالات لفظة الماء في القرآن الكريم، والتعبير عن المحظور في اللغة العربية، وضمائر المتكلم في المعلّقات في ضوء اللغويات الاجتماعية، والتنغيم وأثره في توجيه الدلالة، وكتب (فعلت وأفعلت) في التراث العربي، معتمداً أسلوباً علمياً وتحليلياً جذاباً، يحقق الفائدة والمتعة معاً.
يقول مؤلف الكتاب الصادر حديثاً عن «الهيئة العامة السورية للكتاب»: مصطلح اللسانيات التطبيقية يتضمن مفهومين أساسيين: (اللسانيات)، وهو العلم الذي يُعنى بالدراسة العلمية للغات البشرية. و(التطبيقية)، وهو مصطلح دال على ربط النظريات اللغوية المختلفة بميدانها التطبيقي، مع الاستفادة من الحقول المعرفية الأخرى المتعددة التي تخدم التطبيق.
وقد عرف الدكتور عبده الراجحي اللسانيات التطبيقية بأنها علم مستقل بذاته، له إطاره المعرفي الخاص، ومنهج ينبع من داخله يهدف إلى البحث عن حل لمشكلة لغوية، إنه استعمال لما توافر عن طبيعة اللغة من أجل تحسين كفاءة عمل علمي ما تكون اللغة العنصر الأساس فيه، إنه ميدان تلتقي فيه مختلف العلوم التي تهتم باللغة الإنسانية من مثل اللسانيات واللسانيات الاجتماعية واللسانيات النفسية وعلمي الاجتماع والتربية. إنه واحد من الحقول المعرفية التي تقوم على الأبحاث متعددة التخصصات.
ويشير إلى أن تاريخ ظهور مصطلح «اللسانيات التطبيقية» المرتبطة بتعليم اللغات يعود إلى عام 1946، وبالرغم من وجود الجانب التطبيقي من اللسانيات، واعتماده في تعليم اللغات قبل هذا التاريخ، لكن هذا الحقل المعرفي لم يأخذ تسمية تعلن استقلاليته إلا في الأربعينيات من القرن الماضي. ومنذ ذلك التاريخ صارت اللسانيات التطبيقية تدرس في معهد تعليم اللغة الإنجليزية في جامعة ميتشجان، وقد كان هذا المعهد متخصصاً في تعليم الإنجليزية لغة أجنبية تحت إشراف العالمين البارزين تشارلز فريز وروبرت لادو، وقد شرع هذا المعهد في إصدار مجلته المشهورة: Language Learning Journal of Applied Linguistics، ثم أسست مدرسة اللسانيات التطبيقية في جامعة أدنبرة عام: 1958.
ولاحظ على كثير من الدراسات تركيزها عند تناول هذا المصطلح على ربطه بتعليمية اللغة، وهي محقة فيما ذهبت إليه، ولكننا في هذا الكتاب، نقدّم اللسانيات التطبيقية على أنها مرتبطة بالجانب التعليمي، وحل مشكلات التعلم، وربط هذا المصطلح بالفهم التطبيقي في الدرس اللغوي في إطاره العام، أي ذاك الفهم الذي يقوم على ضرورة ربط النظريات اللغوية عموماً بجانبها التطبيقي، وعدم الاقتصار على الجانب التنظيري، وبذلك فإن بعض دراسات هذا الكتاب على صلة مباشرة بقضايا تعلم اللغة وتعليمها كما نلحظ في الدراسة التي تناولت المعجم اللغوي للصف الأول في التعليم الأساسي، وبعضها متصل بقضايا تطبيقية لعلوم اللغة المختلفة، ولاسيما ما يتعلق بالدراسة الدلالية، أو بالدراسة الصوتية التنغيمية، أو بدراسة اللغة في إطارها الاجتماعي.
وقسم الكتاب إلى ستة فصول، تناول الفصل الأول: (دلالات لفظة الماء في القرآن الكريم) دراسة إحصائية دلالية، في محاولة لرصد الدلالات المختلفة لهذه اللفظة في الأسيقة التي وردت فيها، ثم حاولنا التوقف وقفة مقارنة بين دلالات لفظة الماء في القرآن ودلالاتها في نماذج من الشعر الجاهلي.
ودرس الفصل الثاني:(التعبير عن المحظور في اللغة العربية في ضوء اللغويات الاجتماعية) طرائق التعبير عن المحظور في اللغة العربية في ضوء اللغويات الاجتماعية معتمداً على مادة لغوية واحدة هي كتاب الثعالبي (الكناية والتعريض)، في محاولة لإبراز الجانب الاجتماعي وأثره في اللغة، و للفت الانتباه إلى قصور الدراسات في هذا الميدان في اللغة العربية ولا سيما على الصعيد المعجمي، إذ إننا نفتقر في مكتبتنا العربية إلى معاجم المحظورات وأساليب التلطف في التعبير عنها، ولا يخفى الأثر الكبير لذلك في تعليم اللغة العربية للناطقين بها وللناطقين بغيرها.
وجاء الفصل الثالث تحت عنوان: (ضمائر المتكلّم في المعلّقات في ضوء اللغويّات الاجتماعيّة) وركّز فيه المؤلف على جانبين، الأول: الوقوف عند الدراسات التي تناولت الضمائر، وإظهار أهميتها، والإشارة أحياناً إلى جوانب قصورها ولاسيما في الجانب الاجتماعي للغة. والجانب الثاني دراسة الضمائر في معلقتي عنترة وعمرو بن كلثوم دراسة إحصائية ودلالية مقارنة، بهدف التوقف عند أثر العامل الاجتماعي في لغة كل منهما، من خلال جانب واحد هو ضمائر المتكلّم، ومن أهم النتائج التي يتبناها البحث ويدعو إليها هي التركيز على التطور الدلالي التاريخي الاجتماعي للضمائر في العربية من خلال دراسة تطورها عبر كل مرحلة من مراحل تاريخها، ابتداء من العصر الجاهلي وحتى الآن، لإبراز وظائفها النحوية والدلالية ودورها في إظهار المستوى الاجتماعي للمتكلّمين.
وحمل الفصل الرابع عنوان (التنغيم وأثره في توجيه الدلالة.. مقاربة في ظاهرة التنغيم في التراث العربي) وحاول المؤلف في هذا الفصل دراسة هذه الظاهرة (التنغيم) في التراث العربي بعدما ادّعى كثير من الدارسين أن تراثنا لم يعرف هذا النوع من الدراسة، واقتصرنا على دراسة جهود النحاة وعلماء التجويد في هذا المجال، وتوقفنا عند إشاراتهم المهمة إلى أثر التنغيم في توجيه المعنى، والمصطلحات التي استعملوها للدلالة على ذلك.
وفي الفصل الخامس توقف عند كتب فعلت وأفعلت في التراث العربي.. دراسة في المنهج والدلالة)، فدرسنا هذه الظاهرة في الكتب التراثية التي وصلت إلينا، من حيث قيمتها، في الفكر اللغوي، ومنهج تناولها للمادة اللغوية المدروسة، ثم محاولة دراسة الخلاف حول هاتين الصيغتين في ضوء الآراء التراثية والمعاصرة.
وفي الفصل السادس توقف عند(المعجم اللغوي للصف الأول الأساسي في ضوء اللغويات التطبيقية)، فدرسنا المعجم اللغوي للصف الأول الأساسي في الجمهورية العربية السورية، دراسة تحليلية وصفية للتحقق من قدرة الكتاب على إثراء حصيلة الطالب اللغوية في هذه المرحلة، من خلال إعداد معجم لغوي للكتاب ليكون منطلقاً للدراسة ومحدداً لسماتها العلمية، مستفيدين في ذلك من علاقة اللغويات التطبيقية بتعليم اللغة.
إن الغاية الأسمى التي نهدف إليها من وراء هذه الدراسات اللسانية التطبيقية، كما يقول المؤلف هي ضرورة التفات الدراسات اللغوية المعاصرة إلى التطبيق، وعدم الاكتفاء بالتنظير، كذلك كان من ضمن غايتنا لفت الانتباه إلى كثير من الظواهر والقضايا اللغوية التي ما زالت بحاجة إلى درس وتمحيص، وتقديم الرؤى الجديدة من خلال الاستفادة مما طرح في اللسانيات الحديثة من آراء ونظريات.

The post «دراسات في اللسانيات التطبيقية» ميدان تلتقي فيه مختلف العلوم اللغوية appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the «دراسات في اللسانيات التطبيقية» ميدان تلتقي فيه مختلف العلوم اللغوية on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.