إقرار بطعم العنصرية الفرنسية

بعد عقود من الإنكار الفرنسي، أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن بلاده سمحت من خلال قوانينها وتشريعاتها بممارسة التعذيب الممنهج خلال سنوات حرب التحرير في الجزائر التي امتدت ما بين عامي 1952 – 1963, كما أقر بأن الفرنسي موريس أودان الذي حارب من أجل استقلال الجزائر كان من بين المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت في السجون الفرنسية.
إقرار ماكرون بموت أودان تحت التعذيب من دون الحديث عن الجزائريين الذين قتلوا وعذّبوا إبّان ثورة التحرير يأتي تعبيراً واضحاً وصارخاً بالعنصرية الفرنسية، إذ كان يتعين على ماكرون, الذي يستعرض «حسن النيات», الإقرار بأن بلاده اقترفت خلال فترة استعمارها العديد من المجازر والجرائم بحق مئات الآلاف بل الملايين من الجزائريين وذلك عندما عمدت إلى استخدام كل الإجراءات الممكنة والمتوافرة لديها لقمع الجزائريين من دون تمييز للمدنيين العزل.
بعد انقضاء 61 عاماً على الاستقلال, لا يريد الجزائريون من الدولة الفرنسية إقراراً على ما اقترفته من جرائم ضد الإنسانية فحسب, وإنما يريدون اعتذاراً فرنسياً صريحاً عن كل أوساخ الماضي الاستعماري طوال 132 عاماً. رغم اعتقاد الكثيرين من الجزائريين أن ماكرون استخدم قضية أودان حتى يجعل منها شجرة تخفي كل الجرائم التي ارتكبتها فرنسا بحق الشعب الجزائري, من دون أن ننسى أن الدولة الفرنسية رفضت الاعتراف بالمسؤولية عن مقتل أودان طوال عقود لأنها كانت تخشى المتابعة, واليوم بعدما تقادمت القضية، يطالعنا ماكرون بهذا الإقرار الاستعراضي.
بحكم العادة, تؤكد تقارير إعلامية أن فرنسا تتعامل مع ملف ذاكرة الجزائر باعتباره ورقة سياسية يوظّفها كل رئيس فرنسي وفقاً لموازين ترفع من شعبيته كلما تراجعت لإرضاء أطراف داخلية في بلاده، أو لكسب ودّ السلطات الجزائرية من أجل الحصول على مشاريع استثمارية جديدة.
إلا أن العلاقات الثنائية بين باريس والجزائر لا تزال تلغّمها أربعة ملفات شائكة تقف حجر عثرة أمام عودة الدفء بين البلدين وتسوية الملف التاريخي العالق بينهما, أولها ملف استرجاع الأرشيف الجزائري الموجود في باريس، وقضية تعويض ضحايا وآثار التفجيرات النووية التي قامت بها فرنسا في الجزائر منذ عام 1958 في الصحراء الجزائرية، وتسوية ملف المفقودين الجزائريين الذين اختفوا أثناء الاحتلال في السجون والمعتقلات وتعويض واسترجاع جماجم قادة المقاومة الشعبية الجزائرية الموجودة في متحف بباريس منذ أكثر من 150 عاماً.
وعليه, مهما كانت نية ماكرون وحساباته من وراء هذا الإقرار الاستعراضي، فإنه إقرار رسمي سيعيد ترتيب الكثير من الحسابات، وسيجبر فرنسا ذات الإرث الاستعماري الثقيل على التخلي عن موقفها الرافض للاعتراف بجرائمها الاستعمارية ليس في الجزائر فحسب بل في كل مستعمراتها القديمة، فالاستعمار لم يكن أبداً «فعلاً حضارياً» كما سجلته فرنسا في كتب تاريخها المزوّر، بل جريمة ضد الإنسانية لا تقل بشاعة عن جريمة العبودية.
كما سيدرك ماكرون والطبقة السياسية الفرنسية بمختلف أطيافها, يوماً ما بأن الانتهاكات التي وقعت للجزائريين هي جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب لا تسقط بالتقادم, وهي تستوجب ليس الاعتذار فقط وإنما التعويض لأهالي الضحايا والمتضررين من ويلات الاستعمار.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the إقرار بطعم العنصرية الفرنسية on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.