تطور الوظائف النفسية العليا.. دراسة حديثة في علم النفس

الدكتور ل.س. فيغوتسكي الروسي، عَلَم من أعلام علم النفس، فهو مؤسس واحدة من أهم المدارس السيكولوجية، ليس على مستوى ما كان يُعرف سابقاً بالاتحاد السوفييتي فحسب، بل على المستوى العالمي عموماً، هذا ما أكده الدكتور بدر الدين عامود في مقدمته للكتاب الذي ترجمه عن الروسية، وصدر ضمن منشورات وزارة الثقافة، عن تطور الوظائف النفسية العليا، للتعريف بــ فيغوتسكي الذي لم يقتصر اهتمامه على مجال أو فرع من فروع علم النفس، ولم يكتف بدراسة عمر محدد، أو فئة محددة، بل تناول تجليات السلوك وأشكاله الراقية لدى الكبار والصغار، والأسوياء والشواذ، وما يطرأ عليها من تغيرات في ظل شروط مادية واجتماعية متباينة، وعبر نشاطات إنسانية مختلفة.. ولعل أهم ما يميز نظريته التاريخية، هو رؤيته النقدية السائدة في علم النفس حيث ينطلق من ملاحظاته في تطور الكلام، وتعلم القراءة والكتابة، والعمليات الحسابية، ونشوء مفهوم العدد لدى الأطفال، بوصفها مظاهر طبيعية.. ويلاحظ فيغوتسكي غياب الأساس العلمي والموضوعي لدى أصحاب النظريات السابقة التي من شأنها إدراك البعد الاجتماعي والتاريخي، والتمييز بين ما هو طبيعي وثقافي، وبين ما هو طبيعي وتاريخي، وبين ما هو عضوي واجتماعي في التطور النفسي عند الإنسان.. ويشير فيغوتسكي إلى الخلاف بين سلوك البشر وسلوك الحيوان، إذ يتضمن السلوك الإنساني نوعين، أو مستويين من الوظائف النفسية: الوظائف الدنيا والوظائف العليا، ويؤكد أن الوظائف النفسية العليا لدى الأطفال، تتكون من خلال استيعابهم التراث الثقافي الذي راكمه المجتمع في ميادين العلم والأدب والفن والأخلاق عبر تاريخه، ويحدد مهمة البحث السيكولوجي، إذ يجدها متمثلة في تبين خطي التطور، وعزلهما بعضهما عن بعض، والعمل على وضع خط التطور الثقافي في دائرة الضوء، ومتابعة دراسته لحظة بلحظة.
ما أحوج كتاب الأطفال، والمهتمين بأدب وثقافة الطفل، لأن يتعمقوا بدراسة هذه المواد في علم النفس الذي يحتاج منا اهتماماً أكبر، لنكتشف خفايا ما يخبئه سلوكنا من أمور تلعب دوراً مهماً في تكوين شخصية الطفل الذي نهيئه ليكون مسؤولاً عن مستقبلنا الحضاري… ولكي نصل إلى ما يصبو إليه فيغوتسكي، لابد من أن نقرأ النقد الذي يوجهه إلى المنهج التجريبي العام الذي يستخدم في علم النفس على نطاق واسع، وبعناوين مختلفة، يراه المؤلف عاجزاً عن إدراك البعد الثقافي للتطور، ومن ثم تتبع مساره، والوقوف على التغيرات التي تطرأ عليه شكلاً ومضموناً.. ويقترح المؤلف المنهج التكويني ـــــ التجريبي، والمنهج المقارن للقيام بهذه المهمة لما لهما من قدرة على التمييز بين الوظائف والأشكال النفسية، الدنيا والبسيطة، من جهة، وبين الوظائف والأشكال النفسية العليا والمعقدة من جهة أخرى.
وفي الفصل الأول من الكتاب يؤكد فيغوتسكي أن تاريخ تطور الوظائف النفسية العليا، مجال مجهول تماماً من مجالات علم النفس، ويشير إلى أنه (على الرغم من الأهمية الفائقة التي تكتسبها دراسة عمليات تطور الوظائف النفسية العليا على صعيد الفهم الصحيح، واستجلاء جميع جوانب شخصية الطفل بصورة تامة، فإن حدود هذا المجال لم تظهر بشيء من الوضوح حتى الآن)…. فهل هذا يعني أن هناك تقصيراً في دراسة هذه الجوانب المهمة في علم نفس الطفل، مادامت لم تدرك صياغة المشكلات الأساسية، والمسائل التي تقف أمام الباحث، كما أنه لم يوضح المنهج المناسب للبحث، ولم تحدد بدايات وتطور النظرية، أو على الأقل الفرضية التي قد تعين الباحث على فهم الوقائع التي يحصل عليها خلال عمله، والقوانين التي يتم رصدها، وتفسيرها بصورة افتراضية؟ ويرى المؤلف أن البحث العلمي الذي يخصص لتاريخ تطور الوظائف النفسية العليا عند الأطفال والذي يعد تجربة أولى في ميدان العرض المنظم لبحوث عديدة في هذا المجال، يجب أن ينطلق من الفهم الواضح لبحوث خاصة عديدة في هذا المجال، ومن الفهم الواضح لتلك المادة التي يجب عليه أن يتولى دراستها، ويصبح السؤال الأكثر تعقيداً بسبب أن توضيح هذه المادة يتطلب تغييراً جوهرياً للنظرة التقليدية إلى عملية التطور النفسي عند الطفل، كما يؤكد المؤلف التباين الجوهري بين علم النفس القديم وعلم النفس الجديد الذي لا يمكن أن يغيب عن البال ولو للحظة واحدة، فهناك لحظة منهجية عامة تربط بين الاتجاهين بصلة القربى، وتكمن هذه اللحظات في وحدة تحليله لكلا الاتجاهين، وفي تطابق مسائل البحث (لقد رأى علم النفس الذاتي القديم أن المسألة الأساسية للبحث العلمي تتمثل في فصل عناصر الإحساس الأولية التي وجدها إما في الظواهر النفسية البسيطة، وإما في الوظائف والعمليات النفسية الأولية التي تميز بالطريقة نفسها كالانتباه والوعي..) ويؤكد المؤلف أن علم النفس الموضوعي الجديد لا يعرف طرقاً أخرى إلى معرفة الكل المعقد سوى التحليل والتحلل، وغير استجلاء المركب والإرجاع إلى العناصر.. ويضيف مؤكداً: حين نقترب من علم النفس الذاتي وعلم النفس الموضوعي ضمن علاقة محددة، نجعل من العمليات النفسية العليا دراسة تلائم طبيعتها النفسية..ويضيف: (ولذا فإنه ليس من باب المصادفة ألا تعرض في علم نفس الطفل سوى الفصول المتعلقة بالسن المبكرة، حيث تنضج وتتطور الوظائف الأولية في الغالب، بينما تكون الوظائف العليا في المرحلة الجنينية، وتجتاز في حقيقة الأمر، مرحلة ما قبل تاريخها. أما النزعة إلى معرفة القوانين الأساسية للتطور من خلال العلاقات البسيطة، ومقارنة التطور النفسي عند الطفل بالتطور الجنيني بوضوح تام، حيث يفهم السلوك في علم النفس التقليدي على غرار التطور الجنيني للجسم، أي كعملية بيولوجية..وهذا الوضع يعتمد في الواقع على حقيقة راسخة لا ريب فيها، ومعروفة بصورة جيدة، ونعني تطابق التطور السريع للدماغ في السنوات الثلاث الأولى من الحياة والتي يتم خلالها تزايد وزن الطفل بصورة أساسية، مع تطور الوظائف النفسية الأولية والأساسية عند الطفل في تلك السنوات، ويرى المؤلف أن تاريخ تطور الإرادة عند الأطفال لم يُكتب بعد، ولم يكتب أيضا تاريخ تطور الوظائف العليا: الانتباه الإرادي، وكذلك التذكر المنطقي. ويؤكد المؤلف: (أن هذا حقل أساسي في علم النفس)..

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the تطور الوظائف النفسية العليا.. دراسة حديثة في علم النفس on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.