ولدت الحركة التصحيحية من رحم حزب البعث العربي الاشتراكي، فكانت منذ انطلاقتها الأولى في السادس عشر من تشرين الثاني 1970 نتاجاً لنضالات الحزب التي خاضها تلبية لطموحات الشعب وآماله المستقبلية، ونهجاً للتطوير والإصلاح أحدث تحولات تاريخية داخل الحزب والمجتمع أرست قواعد الاستقرار ودفعت باتجاه النهوض والنمو والازدهار, مستندة إلى التخطيط العلمي المدروس بدقة وعناية والعمل على ترسيخ الفكر والعمل المؤسساتي في دولة القانون، وتعزيز الفهم الصحيح للوقائع والأحداث والتحرك بمقتضاه لاتخاذ ما يلزم من خطوات وإجراءات.. وانطلاقاً من الرؤية الاستراتيجية للقائد المؤسس حافظ الأسد كانت الحركة التصحيحية تجسيداً لإرادة الحزب والشعب في البناء والتأسيس للمستقبل الذي ننشده، فأحدثت تحولات جذرية رتبت من خلالها الأولويات وعملت على تعميق الوعي والفهم الصحيح للواقع بأبعاده المختلفة واستحضار موجبات الفعل وفقاً للمتطلبات، فكان لها انعكاس إيجابي واضح على الأرض بمختلف الاتجاهات وعلى جميع الصعد.. فعلى الصعيد الداخلي رسخت الوحدة الوطنية وبنت جسور الثقة بين الجماهير وحزب البعث الذي قاد الدولة والمجتمع نحو النهوض والارتقاء مؤسساً بذلك لتاريخ سورية الحديث والمعاصر, فكانت القلعة الشامخة الصامدة في وجه المخططات الإمبريالية الاستعمارية التي تستهدفها وتستهدف أمتنا العربية.
عجلة التصحيح لم تتوقف، فقد استنهضت أمتنا العربية وعناصر قوتها وبعثت الروح فيها ممهدة بذلك لمرحلة تاريخية اختلفت بتفاصيلها عن المراحل السابقة جسدت الإرادة العربية وحرضت الوعي القومي لفهم ما يجري في تلك المرحلة, عربياً وإقليمياً ودولياً, وتهيئة الأرضية الصلبة للبناء القومي وتعزيز القوة التي تمتلكها أمتنا لمواجهة كل التحديات والمخاطر التي تحدق بها، فأسست لمفهوم الوحدة العربية، وعززت التضامن العربي وبنت منظومة العمل القومي، ودعمت كل مؤسسات وآليات العمل العربي المشترك وبناء الثقة فيما بينها وبين الجماهير العربية، وتفعيل العمل الوطني والقومي بما يحقق آمال الجماهير العربية وطموحاتها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الأسباب والدوافع التي كانت وراء انطلاق التصحيح المجيد لمواجهة المخاطر ومتطلبات المرحلة التاريخية والتحرك نحو استعادة الحقوق العربية وبناء مستقبل آمن لشعوبنا العربية، فمن بين الدوافع التي أدت لقيام الحركة التصحيحية سلخ لواء اسكندرون عن سورية الأم عام 1939 وتهجير شبابه ومثقفيه، واغتصاب أراضٍ عربية، والأطماع الاستعمارية الصهيونية بأمتنا ومقدرات شعوبها وتكريس المخططات الاستعمارية الهادفة إلى تقسيم الأمة العربية وتجزئتها وحالة من التشرذم والضياع التي تعانيها الشعوب العربية من جهة، بمقابل قيام عصبة العمل القومي التي نادت باستقلال الدول العربية وبوحدتها والنضال ضد ما يحاك لنا من أخطار خارجية، وقيام ثورة الكيلاني في العراق وحركات الإحياء العربي والبعث واستقلال سورية ونكبة فلسطين عام 1948من جهة ثانية.
وبناء على ما سبق, انطلقت الحركة التصحيحية التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد وقد حددت القيادة القطرية ببيانها في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 الهدف المرحلي لأمتنا العربية بتحرير كامل الأراضي العربية المحتلة منذ عدوان 1967، وعدم التفريط أو التنازل عن أي جزء منها، والالتزام باستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره على أرضه، وحققت الحركة التصحيحية منجزات مهمة أبرزها حرب تشرين التحريرية ومهدت لمرحلة الاستقرار السياسي في سورية التي تم فيها إقرار الدستور الدائم للدولة وتأسيس مجلس الشعب وإصدار قانون الإدارة المحلية، وإقامة الجبهة الوطنية التقدمية التي ضمنت التعددية السياسية والحزبية، وكذلك المنظمات الشعبية وتعزيز دورها، وتأكيد دينامية الحزب وقدرته ودوره في مسيرة المجتمعات وتطورها استجابة لطموحات الجماهير وتطلعاتها المستقبلية.
لقد أحدثت الحركة التصحيحية تحولات نوعية كبيرة في سورية كان أثرها جلياً في مختلف الجوانب, حزبياً وسياسياً واقتصادياً وفكرياً واجتماعياً وعسكرياً، فعززت أركان الدولة القوية ومتنت تماسك المجتمع وتلاحمه وحققت أهدافاً كبيرة وواسعة تلبي الطموحات ليس داخلياً فحسب، وإنما أيضاً على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال ترجمتها للموقع الجيو- سياسي وتعزيز حضوره كقوة مؤثرة دولياً في الحفاظ على السيادة الوطنية والأمن القومي العربي في ظل المخاطر والمشاريع الاستعمارية التي تهدد المنطقة وتستهدف شعوبها ومقدراتها.
التصحيح المجيد هو تجسيد لرؤية القائد المؤسس الاستراتيجية بما امتلكه من مخزون فكري وعقائدي لبّى الطموحات البعثية والشعبية في بناء مجتمع قوي، سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، وقد حققت الحركة التصحيحية نقلة نوعية عظيمة في هذا الإطار قادت إلى أن ينعم شعبنا بالأمن والاستقرار والنهوض والازدهار وهي مسيرة مستمرة رغم المؤامرات الاستعمارية الغربية التي شنت حربها الإرهابية علينا في أبشع صورها والتي واجهها شعبنا بصموده ووقوفه بوعي خلف جيشه وقيادته الحكيمة بكل اقتدار وحقق انتصارات أذهلت العدو قبل الصديق، وها هو شعبنا يقف اليوم معبراً عن دعمه لبرامج الإصلاح بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد الذي شدد على العمل الوطني والقومي تأكيداً على نهج التصحيح في مواجهة التحديات والعمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والشروع بالبناء والتقدم والازدهار.
Posted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.