براءة مفقودة!

بعد أسبوع واحد من مجيئها إلى المدينة التي لطالما سمعت عنها الحكايات الغريبة والأعاجيب بوجود شيء عملاق مضيء يكاد البشر يخرجون منه ليجلسوا بين المتفرجين اسمه «السينما»، وشيء آخر له هيئة جهنمية كأنه عفريتٌ يتكلم بألسنة الناس جميعاً لم يخلق الإله مثله في زمن أبويها اسمه «تلفزيون»، بل ووجود حيلةٍ سحرية تعلّمَها أبناء المدينة غريبو الأطوار تجعلهم ينيرون غرف البيت دفعة واحدة وبإصبع واحد من دون الحاجة للسراج والفتيلة وزيت الكاز والشحّار الخانق، وبعد كل ما شاهدته أطلقتْ جدتي «أمّون» صرختها المدويّة وقالت بلهجتها المحبّبة: «دخيلكن، رجعوني عَ الضيعة اليوم قبل بكرا».
حين سمعتها تقول ذلك في ذاك الزمان من طفولتي اعتقدت أن جدتي جُنّت لكنني اليوم بينما أعيش، وبشكل لحظيّ، اللعنةَ التي وضعتنا فيها التقنيات الحديثة من تفتيت للروح، وعزلٍ للأفراد، وتجريف للعقل وتشويه لكل ما هو فِطري وتلقائي فينا، أدرك كم كانت جدتي على حق، وأنها أبصرت خلف حداثتنا المصطنعة، وخلف الشعار الذي رفعناه بابتهاجٍ أعمى أي «أن نكون حديثين دائماً /UP TO DATE» كيف خسرنا، باكراً ومنذ تلك اللحظة، براءتنا وبساطة العيش الهانىء الذي عاشه أجدادنا وجداتنا بإيمانهم العفوي بأن الرب يقف إلى جانبهم في كل عمل يعملونه، في زراعة الأرض وسقاية الحيوانات، في الأحاديث اليومية بانتظار المطر ومواسم الغلة وشمس الحصاد، وفي السهرات تحت ضوء القمر مع حكايات «الغول والشاطر حسن» وقصة «زبيبة والملك» وأحداث «حرب البسوس والزير سالم» بينما الأطفال معلقون على أراجيح الخيال تحرسُ نومَهم الآلهةُ وملائكة الرب المقدّس.
تقول الحكاية: كان يا ما كان، في هذا العصر وهذا الأوان، طفلٌ يسأل جدّه بامتعاض وسخرية: جدّي كيف كنتم تعيشون حياتكم من دون «فيس بوك» و«تويتر» و«كاندي كراش» و«واتس أب» و«حرب النجوم»؟!، فيرد عليه الجدّ: يا ولدي تماماً مثلما تعيشون حياتكم اليوم من دون تربية، ولا عقل، ولا قيم!.

The post براءة مفقودة! appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the براءة مفقودة! on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.