قبل انتشار الآلات كان أصحاب الأيدي الماهرة يحيكون مصنوعاتهم القليلة كمن ينحت في الصخر.. وكانت المنتجات سلعاً تعمَّر أكثر من أصحابها وتورَّث…
أصبحت الآلات تنتج في الدقيقة عشرات الأضعاف من سلع بلا روح بل وتقيم جودة عملها تبعاً للكميات التي تنتجها، لتأتي المواصفة بالدرجة الثانية، ولهذا يمكن استهلاك أطنان من تلك المنتجات مقابل قطعة منحوتة بأيد حنونة.
ربما ليس من السهل تحقيق شرطي الكميات الكبيرة والجودة العالية في الوقت ذاته، وهذا الحال لا يقتصر على السلع، فهل تمكن المقارنة بين ما يحققه مدرس يتابع طلاباً في شعبة تعداد طلابها نظامي، وأخرى تغص بأعداد تفوق الطبيعي بأضعاف؟
وهل يمكن المقارنة بين مستوى إنتاج وأداء من يعمل عملاً واحداً يخصه بكل طاقاته ومواهبه وجهده، ومن يتنقل إلى أكثر من مكان أو عمل في اليوم بغية الحصول على أجر يجب أن يناله من عمل واحد؟
أحد المدرسين يغادر بيته صباحاً، ولا يعود إليه قبل الثانية عشرة ليلاً، ولكنه في الشطر الثاني من النهار، يصبح أداؤه أشبه بالتلميذ «الشاطر» الذي يطلب منه المدرس أن يقرأ الدرس لرفاقه!
سياسة الكم على حساب النوع ــ ومع مرور العقود_ أصبحت كماً بلا نوع، أفقدت الأشياء جوهرها، فكما أن هناك تقليداً يشبه هذه الماركة أو تلك في الشكل طبق الأصل، كذلك يمكن أن تجد أشخاصاً يشبهون الأطباء أو الصحفيين أو المدرسين، وعلى سيرة المدرسين.. أبدى معنيون في وزارة التربية استياءهم من تدني جودة إنتاج وزارة التعليم من الخريجين الجامعيين سواء من اختصاصات اللغات أو العلوم أو الرياضيات…الخ في أكثر من مناسبة.
هذه الملاحظات تستفز القائمين على العملية التدريسية في الجامعات، الذين لا يتورعون عن تفنيدها في كل مرة بسرد عشرات الأسباب التي تجعل ضعف إنتاجهم أمراً مبرراً، فسياسة الاستيعاب الكمي على حساب النوع تفرض على القسم أن يستوعب عوضاً عن مئتي طالب علوم مثلاً ستمئة، وعوضاً عن الاكتفاء بقبول ألفي طالب في جامعة دمشق كلها، يقبلون أربعة آلاف طالب سنوياً؟!
والحقيقة أنه بعد كل عرض من هذا النوع نحمد الله أن عدد سكان سورية في بحر العشرين مليون نسمة، وإلا كيف كنا سنخترع الدولاب وحدنا ونجد حلولاً لكل تلك المشاكل؟
The post منتجات بلا روح! appeared first on صحيفة تشرين.
Rea morePosted from صحيفة تشرين
Note: Only a member of this blog may post a comment.