الحراك التشكيلي في اللاذقية قراءة في بعض تجارب العروض الأخيرة

في صالة الحكمية الصالة الفنية التي أضافت حراكاً جديداً في تشكيل اللاذقية أقدم مقاربة عن تجربة فنانين عريقين في الفن التشكيلي علي مقوص ونزار صابور اللذين شاركا في معرضي الافتتاح والمعرض الجماعي وأحلل لوحة الفنان مجدي الحكمية المعروضة في هذا المعرض كنموذج لدراسة لوحة.
ينهض علي مقوص بالعناصر شجرة تسمق وتفرش الظلال وترتفع أجساد في حالة عناق أو تبرز تموضعها على عمل ما في ظلال التلال أوقد تتعالى وهي جالسة حول مائدة أو تتماهى مع ظاهر المخفي من أوضاعها فتقوم تلال وجور تغور بينها شعاب وقامت شجرات فريدة لا يوجد منها إلا في جنة حياته.
نهض علي مقوص بملحمته «ملحمة بعل» إذ اشتغل بالحبر الأسود فقيل وقال عن الحبر الأسود والضوء والطاقة..، والخلق كان أولاً في إتقانه الهائل في تجسيد مئات الأجساد في وضعيات مختلفة وإدخال بعض العناصر كالثور أو البقرة أو الحصان..، أو أي أداة يقتضيها التموضع اللامنتهي والمتداخل لهذه الأجساد، وثانياً ضبطه للإيقاع الملحمي بين الشجرة كصيرورة ومصائر المخلوقات في أوضاع الزمان..، الشجرة الآلهة وقد شيدت لها طقوس العبادة فهي تقع في المركز العالي من اللوحة وغفير المخلوقات المكتظ يحيط بها من أجساد بشرية لا تحصى وأكثر من شكل حيواني أو أداة ما في مواقع وأوضاع عديدة في زمن غير محدد ثنائية المركز والمحيط في زمن مبهم لإنجاز طقس العبادة.
ومع كل ما يشتغله على الحبر الأسود يعتمد على ضبط الإيقاع الحسي للحركة المنفذة فتنبعث موسيقا أضواء الظلال، وليس بالحبر الأسود فقط يزدهي علي مقوص، فمن أزهورية «سميت أحد معارضه في دمشق بين الثمانينيات والتسعينيات أزهورية» التي تدخلك إلى ألق بهجة الساحل وهو يخلع قمائص ألوانه في لوحات. نزار صابور لاعب «مرائي» لونية يفتح خزائن الشوق بافتنان.. ونزار صابور يدخلك في صندوق فرجة وتظل عيناك تغوران كمصور آلة التصوير القديمة (المائية) يغور برأسه كله في المخروط القماشي الأسود ليثبت وضوح الصورة، ونزار صابور بارع في تغيير تقديم وضوح شكل لونه وتشكيله، فتارة تغور لوحة في أعماق إطار ويمكن أن تغور في إطار فيكون العمق في المركز أوتطلع من إطار فتبرز إلى السطح، والإطار أيضاً يتغير، فتارةً يفصل عن الفراغ المحيط باللوحة وتارةً تترامى عليه اللوحة، فترى استكمال أجزائها عليه.. وأحياناً تفيض عليه وتميد في الفراغ.
ولديه غير لعب الإطار، السطح والعمق، لعب فراغ الأمكنة وتناقض الألوان،فيفتح لك وادياً أبيض بين جرفين رماديين مثلاً أو أسودين، أو يزيح لوناً عن نقيضه فيضيء اللونان معاً بقوة أكبر، وبعد أن يسيطر على عينيك ويعلقهما على لونه يعرض لك صندوق فرجته بلا توقف لوناً وراء لون، فتتداخل ألوان وتتراكب، فيكون بروزاً لونياً في المركز مثلاً..وتنزاح ألوان عن ألوان فتفسح أمام عينيك فضاءات جديدة وبعيدة، فيقدم لونه بالدرجة التي يريدها من الشدة أو التركيز أو الشفافية ووضوح غير المرئي.. إنه لاعب «مرائي» لونية بافتنان وتظفر عيناك بألوان عجبة لم ترها من قبل وليس فقط بالأزرق يزدهي نزار صابور…، وليس بغيره أيضاً بل بالألوان الجديدة الطالعة من بعضها.
نزار صابور يذهب في الزمان من جلجامش مروراً بعنترة وليس انتهاء ببقعة دم على الأرض السورية، ونزار صابور يثبت في المكان: اللاذقية، البلدات، الأديرة والأهلة، والقلمون، وفي بقعة دم على الأرض السورية وفي الضربة الأمريكية، وهو في ذهابه في الزمان وثباته في المكان يبحث عن لون السعادة في الحرية.
أما مجدي الحكمية فيدخلك في فلسفة نافذة يتعانق اللون مع التشكيل لينتجا لوحة متطورة.
وهنا تكون المدرسة في خدمة التشكيل وليست هي الغاية، في اللوحة سطح وعمق، عمقها نفق أورانجي معتق، وسطحها أطياف ألوان الحياة بالأزرق والبنفسجي والأحمر..، إذ خنق فيه الأورانج المعتق أي نأمة حياة، ويقيناً يعطي انطباعاً بغير المألوف من نفق مظلم حيث يكون أسود أوفي درجات الرمادي.. الخ يعطي انطباعاً صعب التحمل حتى استحالته في أن يكون الكائن فيه وبعد ذلك إذ يخرج منه في اللوحة جسدان يكبران في وضعية جلوس متعاكس ومتعاضد «يستند أحدهما إلى الآخر» بلون ارتاح قليلاً قريباً من الأصفر الشمسي كأنهما خارجان إلى الشمس، ولو أنهما سيدخلان النفق كان حرياً بأن يكون رأساهما متقابلين باتجاه فتحة النفق، ومن هنا أتت القراءة من العمق وليس من السطح، أو بالأحرى هما طيفا جسدين،«فالأجساد في هذه اللوحة أطياف تتراءى» طيفا جسدين قاعدين.. لا شيء واضحاً، كل شيء مبهم، ترى هل يفكران كيف سيلجأان إلى السطح إلى جدار الحياة الهائل البني وفيه الأجساد أطياف تتراءى في درجات الأزرق والبنفسجي والأحمر… ليحيوا غموض السرور المحتمل في هذه الحياة حتى ينكشف…؟! لوحة صعبة، صعبة، ويل لك إذ تلقى في نفق الأورانج المعتق، وويل ثانية عليك إذ تخرج من النفق وتظل قاعداً في الشمس ولا تعرف كيف تتجاوز البني والأصفر لتدخل في أطياف سرور الأزرق الذي لم يفصح عن نفسه بعد لأنك لم تصله، وفي أطياف هفهفات البنفسجي وأحمر دم الغزال للبهجة القادمة.

The post الحراك التشكيلي في اللاذقية قراءة في بعض تجارب العروض الأخيرة appeared first on صحيفة تشرين.

Rea more
Posted from صحيفة تشرين
Thank you for reading the الحراك التشكيلي في اللاذقية قراءة في بعض تجارب العروض الأخيرة on Syria News Kit If you want to spread this News please include links as Source, and if this News useful please bookmark this page in your web browser, by pressing Ctrl + D on your keyboard button, Or click the share button to place it on your profile.

Latest news:

Note: Only a member of this blog may post a comment.